حرص الرئيس علي ناصر محمد أن يقدم من خلال صحيفة "الميثاق" وفي هذا الحوار الشامل مبادرة وطنية لحل الأزمة اليمنية تضمنت سبعة بنود رأى انها تستجيب لمتطلبات تسوية سياسية يمنية شاملة لا تستثني أحداً وتمكن الجميع من الخروج من الواقع الراهن الذي يعيشه الوطن منذ ستة أعوام.. ووصفها بأخطر المراحل التي يمر بها اليمن ويكاد أن يفقد بسببها قراره الوطني وسيادته جراء التدخلات الأقليمية والدولية..
رؤى وتصورات قدمها الرئيس علي ناصر محمد بحكم خبرته وتجربته التاريخية إزاء مختلف التطورات والأحداث التي شهدتها الساحة اليمنية في عهدي التشطير والوحدة..
وطالب ناصر في هذا الصدد مختلف الفعاليات الوطنية بضرورة تقديم تنازلات سياسية وعسكرية وإن كانت مؤلمة من أجل مصلحة الوطن.. مؤكداً غير مرة أن الحسم العسكري بات مستحيلاً، مشيرا في معرض حديثه إلى شكل الدولة اليمنية الجديدة والتي حسب قراءته ستختلف تماماً عن واقعها السابق..
رؤى وتصورات لا تخلو من تشخيص واقعي وموضوعي للعديد من القضايا الملحة، جديرة جميعها أن يطل عليها القارئ الكريم كواحدة من الاسهامات الفاعلة والثرية ، الهادفة إلى تحقيق مشهد جديد ينعم به وطننا بالأمن والاستقرار ويغادر تماماً بؤر الصراع والتطاحن..
إلى التفاصيل ..
< سيادة الرئيس. كيف تنظرون للمشهد اليمني الراهن والمآلات التي وصل اليها؟
- لا يخفى على المتتبع للمشهد اليمني الراهن أن اليمن يمر بواحدٍ من أخطر مراحله تعقيداً وخطورة، حيث يواجه حالة قلق على مصيره ومستقبله، وتعمق الحرب المستعرة فيه منذ ست سنوات من عمق وخطورة الوضع الذي يواجهه، والمآلات التي وصل اليها. فهو في حال يكاد يفقد فيها قراره الوطني وسيادته بسبب التدخلات الاقليمية والدولية، وفي حالة تشظٍّ وانقسام خطير في النسيج الاجتماعي، وفي حالة حرب تستنزف موارده المادية والبشرية، وفي حالة فقر ومجاعة ونزوح إلى الداخل والخارج، وفي حال تدهور لاقتصاده وعملته الوطنية، وحالة فساد تجعل الوضع أكثر سوداوية ومأساة، بالمجمل لا يستفيد من الحرب واستمرارها سوى تجار الحروب بينما الخاسر الأعظم هو الوطن والمواطن الذي تزداد معاناته كل يوم من نزيف دم، وغلاء وشحة موارد، وعدم دفع رواتبه مدنيين وعسكريين، وفقر ومجاعة، وانعدام أي أفق لحل قريب لوقف الحرب يكسر هذه الحالة المستعصية .
< في ظل هذه الاحداث والتطورات المتسارعة هل ترون هناك افقاً للحل للأزمة اليمنية؟
- أثبتت ست سنوات من الحرب التي تدخل عامها السابع في هذا الشهر أن الحل أو ما يسميه البعض بالحسم العسكري مستحيل حتى لو حقق طرف ما نصراً هنا أو هناك، فإن الكل في مثل هذه الحروب الأهلية خاسر ومهزوم، قلنا ذلك منذ وقت مبكر، أي منذ الأيام الأولى التي اعتقد خلالها البعض أنهم سيحسمون الحرب في ثلاثين يوماً أو ثلاثة أشهر، وقلنا لهم يومها ولا في ثلاث أو خمس سنوات، وها هي تدخل عامها السابع، وقد أكلت الأخضر واليابس، وفتكت بالبشر ودمرت الحجر، وخلقت وضعاً مأساوياً يحتاج إلى عشرات السنين لجبر وإصلاح ما خربته، وقبل كل شيء في النفوس.. إذاً ما الحل؟
ينبغي على الجميع أن يصل إلى قناعة بأن الحل يكمن في وقف الحرب أولاً وقبل كل شيء، والدخول في حوار وطني لا يستثني احداً، والبحث عن حل سياسي للأزمة يراعي مصالح كل الأطراف، ويضع رؤية وطنية ليمن المستقبل.
كل الحروب في العالم انتهت في الأخير إلى حل سلمي، وأعتقد أن هذه اللحظة قد حان وقتها في اليمن ايضاً، وعلى اليمنيين أن يمتلكوا زمام المبادرة ويشرعوا في الحوار، وعلى الأطراف كلها أن تقدم تنازلات سياسية وعسكرية حتى وإن كانت مؤلمة لمصلحة الوطن والشعب وأمنه واستقراره وسيادته، وعلى المجتمع الإقليمي والدولي أن يساعد اليمن على بلوغ هذه المرحلة، ويشجع كل الأطراف على الجلوس إلى طاولة الحوار.
< كيف تنظرون بالتحديد للدور الامريكي المأمول لحل الازمة باليمن وما إذا كان الامريكان مستوعبين تماما متطلبات هذا الحل؟
- مع مجيئ إدارة أمريكية جديدة إلى البيت الابيض برئاسة جو بايدن وتعيين ليندركينغ مبعوثاً لها الى اليمن، أعربتْ عن رغبة أمريكية في وقف الحرب في اليمن، وهي امتداد لما قام به وزير الخارجية الاميركي جون كيري في آخر عهد الرئيس أوباما.. وهذا موقف أمريكي إيجابي على اليمنيين الاستفادة منه، وأعتقد أن أميركا بحكم كونها دولة عظمى، ومن الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وبحكم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة وعلاقاتها المتقاطعة مع مختلف الأطراف في المنطقة، لديها القدرة على المساعدة في التوصل الى وقفٍ للحرب في اليمن، لكن الحل ينبغي أن يكون بيد اليمنيين أنفسهم، ثم يأتي دور الآخرين مثل الأمم المتحدة عبر مبعوثها كدور يساعد على تقريب وجهات النظر ..لا أحد يملك حلاً سحرياً لفرض حل للحرب في اليمن، اليمنيون وحدهم من ينبغي استنباط هذا الحل .
< هل ترون هناك اجندة امريكية تحاول واشنطن بلوغها من خلال دورها هذا والى اي مدى تأثيرها الاقليمي سيعزز من دورها هذا؟
- لاشك أن هناك مصلحة أمريكية وعالمية في وقف الحرب اليمنية التي طالت أكثر مما كان مقدراً لها، فهي تدور منذ سنوات في منطقة استراتيجية مهمة للعالم وللمصالح الأمريكية والغربية، أعني هنا الممرات الاستراتيجية باب المندب، ومضيق هرمز، كما أعني منطقة تنتج ثلث انتاج العالم من النفط، وأيضاً منطقة تتقاطع فيها مصالح اقليمية ودولية.. اذاً من هذا المنطلق فان وقف الحرب فيه مصلحة لأميركا وللعالم الذي يهمه الامن والاستقرار في اليمن وهذه المنطقة الحساسة من العالم، وبالتأكيد توجد هنا مصلحة يمنية في وقف الحرب وتحقيق السلام، ولهذا علينا أن نستفيد من أي تحرك سياسي دولي يصب في هذا الاتجاه.
< الوضع الاقليمي وفي ظل هذه التطورات المتسارعة بالمشهد اليمني هل ترونه مازال قادرا على لعب دور ايجابي وفاعل للحفاظ على الامن الاقليمي في ظل الإفرازات الخطيرة للأزمة اليمنية والتي باتت تهدده؟
- نعم .. ونرجو أن يكون هذه المرة لصالح وقف الحرب وصنع السلام .. أعتقد أن وقف الحرب مصلحة اقليمية كما هو مصلحة يمنية كما هو مصلحة عالمية، لا أحد يرغب في استمرار هذا النزيف البشري والمادي إلى ما لانهاية، الكل يدفع الثمن والكل يعاني والكل يخسر.. هذه المليارات التي أُنفقت وتُنفق على الحرب كان ينبغي أن تُسخر لصالح التنمية وإزالة آثار ما دمرته الحرب.. وأي حل بالتأكيد ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار أن الأمن والاستقرار فيه مصلحة لليمن ولجيرانه أيضاً وللعالم، وأعتقد أن الجميع بات قريباً من الوصول إلى هذه النتيجة وهذا عامل مساعد ليكون الإقليم عاملاً إيجابياً في صنع السلام لأن هذا لمصلحته أيضاً، لمصلحة بلدانه وشعوبه التي وصلت إليها تأثيرات الحرب اليمنية.
< هناك من يرى ان التعامل الامريكي المباشر مع اليمنيين فيه تحييدا او استبعادا للدور السعودي.. والسؤال هل ترى ذلك استبعاداً ام تخفيفاً لهذا الدور؟ وبالمناسبة هل هناك ارتباك سعودي جراء هذه الخطوة الامريكية؟
- العلاقات الامريكية السعودية علاقات استراتيجية منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، والسعودية دولة كبيرة ومهمة في المنطقة وبالتأكيد لعبت وتلعب دوراً مهماً في الرؤية والاستراتيجية الامريكية لمنطقة الجزيرة والخليج العربي، ورأينا هذا الدور في الحرب اليمنية بين الملكيين والجمهوريين في ستينيات القرن العشرين الماضي، وفي حروب الشمال والجنوب، وفي حربي الخليج الأولى والثانية.. لا أعتقد أن الأمريكان لديهم نية لاستبعاد الدور السعودي في المنطقة، لكن ربما لديهم رغبة في كبح جموح هذا الدور عندما يرون أنه يتعارض مع مصالحهم، فالأمريكان يتحركون وفقاً لمصالحهم.
في مرحلةٍ ما في السبعينيات كانوا يتعاملون مع الشمال عبر السعودية، ثم رأوا أن من مصلحتهم التعامل مباشرة مع نظام صنعاء بعيداً عن أية وساطة. والأمريكان شعروا هذه المرة أن المنطقة المهمة لمصالحهم لا تتحمل إلقاء مزيد من الزيت في النار لهذا يتحركون باتجاه إطفاء نيران الحرب في اليمن.
< عملية الحوار بين اليمنيين هل اضحت رهينة لمواقف دولية وإقليمية، وهناك من يرى استحالة الحلول للازمة بعيداً عن هذه التدخلات؟ ما السبيل للحل؟
- العامل الاقليمي والدولي كان دائماً حاضراً في الأزمات والحروب اليمنية، فنحن نقع في منطقة مهمة وحساسة من العالم كانت على الدوام محط أطماع الدول الاستعمارية الكبرى، لكن الشعب اليمني كان عبر تاريخه يقاوم بإرادته الوطنية الحرة أي غزو لأرضه، وفي النهاية كان ينتصر حتى وإن تعرضت أرضه للاحتلال عقوداً وقروناً لم يكن يكف عن النضال والمقاومة.. وفي بعض الأحيان كان يستعين بقوى إقليمية ودولية لنصرته ضد قوى أخرى.. حدث هذا عندما استعان بالفرس ضد الغزو الحبشي، وحدث هذا عندما استعان بمصر الناصرية ضد الدعم السعودي بعد ثورة سبتمبر 1962م فيما عُرفت بحرب الملكيين والجمهوريين التي استمرت نحو سبع سنوات، وفي الأخير الذي أوقف تلك الحرب كان الملك فيصل والرئيس جمال عبدالناصر في قمة الخرطوم 1967م، حتى دون علم اليمنيين الذين فشلوا في التوصل إلى حل لوقف الحرب في مؤتمر حرض الذي التقى فيه حينها دهاة اليمن من الطرفين (الجمهوريين والملكيين) وبرعاية مصرية - سعودية، وناقشوا جدول الأعمال لمدة أسبوعين وانفض المؤتمر دون الاتفاق على جدول الأعمال، وحينها اتفقوا على ألا يتفقوا، لأن الأمور كانت حينها لم تنضج للحل المحلي والاقليمي والدولي.. كان الأمريكان والسوفييت حاضرين بطريقة ما في حروب الشمال والجنوب حيث كانت الولايات المتحدة تدعم الشمال بالسلاح والسوفييت يدعمون الجنوب. إذاً العامل الإقليمي والدولي كان على الدوام حاضراً ومؤثراً في الصراعات والحروب اليمنية، المهم ألا يفقد اليمن قراره واستقلاله الوطني.
< يسعى المجلس الانتقالي إلى تقديم نفسه لسان حال كل ابناء المحافظات الجنوبية واعتبار نفسه ممثلاً عنهم في اي عملية تفاوضية.. ما تعليقكم؟
- القضية الجنوبية قضية عادلة وتعتبر جذر الأزمة اليمنية وهي حاضرة في المشهد اليمني الراهن ولا أحد يستطيع تجاهلها اليوم كما حدث في الماضي.
التقليل من أهميتها وعدم إيجاد حل لها في السابق أوصل اليمن الى ما نحن فيه اليوم، بالطبع إلى جانب عوامل أخرى كثيرة، لذلك ينبغي أن يكون الجنوب حاضراً في أي حوار وأي حل للأزمة اليمنية، وأي حل ينتقص من قضية الجنوب سيكون حلاً مجتزأً ويشرعن لحروب وصراعات قادمة.
أما من يمثل الجنوب في الحوار فلندع ذلك للجنوبيين أنفسهم يقررون ذلك.
< أيضاً ما المدخلات المناسبة للجلوس على طاولة الحوار اليمني ؟
- من وجهة نظري أن تشترك في الحوار كل القوى السياسية اليمنية بدون استثناء، وبدون شروط مسبقة، وأن يكون البند الأول على طاولة الحوار اليمني وقف الحرب واتخاذ كل الإجراءات والحلول التي تمنع تكرارها في المستقبل، والاتفاق على صيغة ورؤية ليمن المستقبل، بالتأكيد لن يكون كما شكل الدولة المركزية التي كانت قبل الحرب ولا صيغة الأقاليم التي كانت أحد أسباب التعجيل بالحرب، لعل حل الدولة الاتحادية من إقليمين أقرب الحلول الى الواقعية وإلى النتائج التي أفرزتها الحرب من وجهة نظرنا، والخيار والقرار لما يرتضيه الشعب.
ينبغي أن تشعر كل الأطراف بأنها شريك على قدم المساواة، وأنها جزء من الحل وأن مصالح الجميع تؤخذ بعين الاعتبار.. وأعتقد أن هذه المرحلة لما بعد الحرب ينبغي أن تحمل عدة عناوين للقوى السياسية التي ستقود العمل الوطني في اليمن: تحقيق الاستقلال للقرار الوطني، الاتفاق على شكل الدولة الاتحادية، التنمية وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وصوراً من مظاهر الديمقراطية، وتحقيق العدل الاجتماعي.
< بالمناسبة من وجهة نظركم ما تقييمكم لمحطات الحوار السابقة وما إذا كان إخفاقها ناتجاً بفعل ضعف إدارة التفاوض او قصور في رؤية الامم المتحدة؟ او في التدخلات الدولية والاقليمية؟
- كل جولات الحوار السابقة، خاصة تلك التي جرت خلال الحرب برعاية الأمم المتحدة جرت بين طرفين هما الشرعية المعترف بها دولياً وأنصار الله سواء التي جرت في الكويت أو ستوكهولم أو غيرها... وكانت تحاول تقديم حلول جزئية بين طرفين مشتبكين في الحرب وعلى خطوط تماس، ولم تطرح حلاً شاملاً لوقف الحرب والدخول في حوار أوسع لحل سلمي دائم.
اليوم هناك أطراف أخرى ينبغي أن تنضم الى الحوار والجلوس على طاولة التفاوض غابوا أو غُيّبوا عن الحوارات والمفاوضات السابقة ليكون الحل شاملاً وقابلاً للحياة، لأنه يهم اليمنيين جميعاً وليس أطراف الحرب وحدهم.
أحد أسباب فشل المفاوضات السابقة يعود الى شعور بعض الأطراف المستفيدة من الوضع أن مصلحتها أو مصلحة القوى التي تقف خلفها هي في استمرار الحرب.. وأيضا الى عدم وجود آلية لتنفيذ ما يتم التوصل إليه في هذه الحوارات والتأكد أن كل طرف ينفذ ما عليه من تلك الالتزامات، وأخيراً لغياب الإرادة الدولية الضاغطة على كل الأطراف.
< كيف تنظرون لمختلف التفاعلات السياسية بالمحافظات الجنوبية، وما إذا كانت قابلة للتعامل الإيجابي مع مختلف عوامل المشهد اليمني عموماً؟ - مما لا شك فيه أن الحرب أرهقت وترهق الشعب في الشمال والجنوب، كما أن الشعب يتعرض لحرب من نوع آخر في الخدمات، في الكهرباء والماء وانعدام الرواتب لأشهر وسنوات وانهيار العملة وغلاء المعيشة ونزوح الملايين من مناطق القتال الى الداخل والخارج، وكل هذا يزيد من أعبائه، وأيضاً الحمل الثقيل لمخلفات حرب 1994م وما تعرض له الجنوب من ظلم وإقصاء، حيث شعر الجنوبيون أن المشروع التاريخي الذي ناضلوا من أجله طويلاً وقدموا التضحيات في سبيله وتخلوا عن دولتهم لأجله قد أُسيئ له من قبل الذين وقّعوا عليه حينها، ومن قبل الذين جاؤوا لاحقاً بعدهم. لهذا فإن أي حل لا يلامس حلاً عادلاً للقضية الجنوبية لن يسهم في حل الأزمة اليمنية ويترك الباب مفتوحاً لصراعات وحروب طويلة الأمد، ويبقي النار تحت الرماد.
< هناك من يرى التدخلات الاقليمية في شأن المحافظات الجنوبية أنها لن تفضي إلا لمزيد من الاحتراب والاقتتال.. ما تعليقكم؟
- الشعب في الجنوب شعب حي وأبي وصاحب تاريخ طويل في رفض التدخل في شؤونه الداخلية، نعم يقبل الدعم من الأشقاء والأصدقاء لكنه صاحب قراره الوطني الحر والمستقل.. هناك من يرغب في اقتتال بين الجنوبيين، ويسعده ذلك، ويرى في تفرق الجنوبيين مصلحة، لكن أعتقد أن تلك المرحلة انتهت بالتصالح والتسامح الجنوبي الذي ينبغي تعزيزه وتقويته اليوم وإزالة كل ما يشوبه.
ليس الجنوب وحده من يحتاج إلى هذه العملية، الشمال أيضاً يحتاج إلى عملية تصالح وتسامح بعد كل ما جرى ويجري.. اليمن كلها شمالاً وجنوباً في حاجة الى الانخراط في عملية تاريخية كبرى لصنع السلام وإنهاء الحرب.
< بصفتكم تحرصون على تقديم رؤى سياسية او مبادرات للحل للازمة اليمنية.. هل تنظر مبادراتكم لكل جوانب المشهد اليمني وكيف تردون على من يصف مبادراتكم بأنها تتم بعقلية جنوبية؟
- المبادرات السياسية لحل الأزمة اليمنية التي قدمناها هي مشاريع نرى أنها تسهم في وقف الحرب والبحث في وضع حلول للأزمة اليمنية المستفحلة منذ سنوات، وبعض هذه المبادرات سابقة حتى لنشوب الحرب الراهنة، ولو أن صاحب القرار والقوى الأخرى الفاعلة في المشهد اليمني أخذت بها في حينه لربما تجنب اليمن ما حدث ويحدث اليوم، ولربما أن الفرصة مناسبة لاستعراض آخر مبادرة تقدمنا بها من خلال صحيفتكم الموقرة »الميثاق«، وأهم بنودها:
1-وقف الحرب لإنهاء الصراع عبر حوار جاد بين مختلف الأطراف اليمنية برعاية إقليمية ومباركة دولية.
2- تحريم استخدام القوة في حل الصراعات.
3- قيام دولة اتحادية من إقليمين (شمال وجنوب).
4- إعادة بناء الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية وتسليم الأسلحة الى وزارة الدفاع وإلغاء المليشيات وإعلان حكومة وحدة وطنية.
5- الدولة اليمنية هي المالك الوحيد للثروة النفطية والمعادن والموارد الاستراتيجية.
6- دور اليمن في الحفاظ على أمن وسلامة جيرانه.
7- ضرورة محاربة الإرهاب.
ونحن نتقدم بهذه المبادرات بتجرد وأمانة، وانطلاقاً من إحساس وطني وشعور بأنه ينبغي وضع حد لنزيف الدم في وطننا الذي يؤلمنا كما يؤلم كل ضمير حي، ووقف إهدار مقدراته واحتياطي الأجيال القادمة.. وإن كان هناك أحد ما يرى فيما نقدمه من رؤية سياسية أو مشاريع حلول لوقف الحرب والبحث عن حل سياسي أنها تتم بعقلية جنوبية، فهذا شأنهم .. لأن هناك من يرى أيضاً أنها تنطلق من عقلية شمالية، وهذا شأنهم ايضاً.. المشاريع التي نقدمها تنطلق من رؤية وطنية تأخذ بعين الاعتبار المشهد اليمني بأكمله، وهي مشاريع قابلة للتطوير.
< هناك مبادرات يمنية يروج لها من وقت لآخر.. كيف يمكن استخلاص مبادرة من خلال كل ما يقدم ويعرض من رؤى للحل؟ وما تعليقكم على من يرون ذلك ممكناً من خلال حوار مجتمعي؟
- بالتأكيد إن كل المبادرات اليمنية التي تظهر بين وقت وآخر، تنطلق من الشعور بخطورة الحرب والضرورة القصوى لوقفها والبحث عن حل سياسي وسلمي لها، وهذا شيء إيجابي ينبغي التعاطي معه، ولا بأس من تعدد الرؤى والمبادرات طالما تهدف إلى وقف الحرب والحوار، فهذا يقوي جبهة الباحثين عن السلام والرافضين للحرب، وعلى المجتمع أن ينخرط في هذه الجبهة ويوسع مداها إلى أقصى حد ممكن لتشكيل ضغط جماهيري لصالح السلام وضد الحرب.
< ما جديد مركز الدراسات الذي ترأسونه وهل يمكن ان يلعب دوراً في تقريب وجهات النظر؟
- للأسف لم يدرك العالم العربي بعد أهمية مراكز الدراسات الاستراتيجية في دراسة الظواهر والحالات سياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية، وأهمية ذلك لصانع القرار وللمجتمع، بعكس ما هو عليه الأمر في بلدان العالم الآخر حيث توجد مئات مراكز الدراسات في مختلف التخصصات وتُخصص لها ميزانيات كبيرة تساعدها في إنجاز مهماتها.
المركز العربي للدراسات الاستراتيجية الذي تأسس في أبريل من عام 1995م في دمشق وأُنشئ له عدة فروع في مصر وصنعاء وعدن والامارات، وأقام عدة مؤتمرات وندوات متخصصة في أكثر من عاصمة عربية، وأصدر العديد من الكتب والأبحاث والمجلات المتخصصة في السنوات الأولى من تأسيسه، تعثر بعد ذلك بسبب الظروف التي اجتاحت الوطن العربي خلال العقد الأخير، وبسبب شحة إمكاناته المادية توقف نشاطه البحثي ونحن نحاول أن نعيد الحياة الى المركز ليلعب دوره في البحوث والدراسات في الوطن العربي.
وأحاول من خلال ما أملكه من شبكة علاقات واسعة التواصل مع كل الأطراف في اليمن والإقليم ومع ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي وسفراء الدول الكبرى أن نتحرك في اتجاه وقف الحرب والبحث في تحقيق السلام باعتبارها الأولوية لنشاطنا اليوم.
< ماهي رسالتكم للمؤتمر الشعبي العام ورئيسه وقيادته في هذه الظروف المهددة للمصير كونكم عاصرتموهم وعرفتموهم وكانت لكم لقاءات بهم؟
- لقد عاصرت وتابعتُ تجربة قيام المؤتمر الشعبي العام برئاسة الرئيس علي عبد الله صالح في الثمانينات عندما كنتُ أميناً عاماً ورئيساً للدولة في عدن، ولقد لعب المفكر والمنظر والسياسي عبد الكريم الارياني الى جانب الرئيس علي عبدالله صالح دوراً مهماً في تأسيس المؤتمر الشعبي إضافة الى بعض الشخصيات كالدكتور أحمد الأصبحي وغيرهم من القيادات، وكان وعاء يحتوي جميع الاتجاهات الاجتماعية والسياسية والقبلية وبعض الشخصيات التي انضمت إليه من أحزاب أخرى، وكان له حضوره على المستوى اليمني والاقليمي والدولي.
وفي وقت لاحق ظهرت وبرزت بعض القيادات كالشيخ المناضل صادق أمين أبو راس والمناضل القيادي عارف الزوكا وأيضاً الشيخ ياسر العواضي والسيدة فائقة السيد وغيرهم وكانت قوة المؤتمر تكمن في قيادته برئاسة رئيسه الزعيم علي عبد الله صالح، كما أطلق عليه بعد مغادرته للسلطة في صنعاء.
وحافظ الرئيس علي عبد الله صالح على وحدة هذا الحزب لما يمتلكه من خبرة وتجربة وذكاء وإمكانيات.
ومن بعد الزعيم علي عبد الله صالح وهروب بعض القيادات الى خارج اليمن من الذين توزعوا في مصر وتركيا والخليج وماليزيا وغيرها من عواصم العالم.. بدأت تظهر بعض الزعامات خارج صنعاء والتقيت بعضهم ونصحت أن يبقى الوضع القيادي في المؤتمر كما هو حتى تنتهي الحرب ويعقد مؤتمر له بعد ذلك ليختار قيادة جديدة.
وهذا لا يعني أننا ضد خيارات المؤتمر في انتخاب قيادة له برئاسة الشيخ صادق أمين أبو راس الذي اختير رئيساً للمؤتمر في صنعاء وهو شخصية وطنية معروفة ومن أسرة مناضلة نعتز بتاريخها ومواقفها الوطنية وعلى رأسهم الفقيد الكبير المناضل الشيخ أمين أبو راس رحمه الله..
والأحزاب الحقيقية هي التي تعرف كيف تمتص الصدمات، وكيف تتعايش مع الاوضاع الجديدة، وكيف تراجع تجربتها وتنتقد وتصحح أخطاءها، وتخلق قيادات جديدة قادرة على إخراجها من حال الصدمة الشديدة، وترسم للحزب برامجاً تستوعب هول ماحدث وتعطي لأعضائها وللوطن أملاً في المستقبل وخارطة طريق.. وأعتقد أن شخصاً وطنياً مثل الشيخ صادق أمين أبو راس على رأس المؤتمر مع بقية قيادات المؤتمر في الداخل والخارج قادر على أن يجعل للمؤتمر الشعبي العام مكانة في المعادلة السياسية اليمنية الجديدة.
فليست السلطة آخر الدنيا ولا آخر الحياة. ولدي الأمل أنه سيقود المؤتمر في هذا المنعطف الجديد عليه ويخرجون منه بسلام.
< كلمة اخيرة تحبون توجيهها عبر منبر »الميثاق« لكل اليمنيين؟
- أرجو على أبناء شعبنا من خلال صحيفتكم الغرّاء، أن يتحركوا ويشكلوا جبهة عريضة واسعة ضد الحرب ومن أجل السلام، فالجماهير تملك طاقة وقوة تأثير على مجريات الأحداث وتغييرها الى الأفضل.. ولنا أمثلة في تجارب الشعوب فالحرب الفيتنامية الأميركية توقفت بسبب تحرك الشعب الأمريكي عندما رأى أبناءه يعودون بتوابيت الموت من هناك.. والحرب الجزائرية توقفت في عهد الجنرال ديغول بعد أن تحرك الشارع الفرنسي ضد جنرالات الحرب، وغيرها من تجارب الشعوب في المنطقة والعالم.
وعلى الشعب اليمني أن يتحرك ضد تجار الحروب لأنهم الوحيدون الذين يستفيدون منها، بينما تقدم له الخراب والموت، ويجب أن يعلو اليوم صوت السلام على صوت السلاح والمال.
نعم للحوار.. نعم للسلام.. لا للحرب.