يعيش اليمن "السعيد" منذ نهاية عام 2014 اضطرابات وصراعا بين قوات الرئيس اليمني من جهة، والمسلحين الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح من جهة أخرى، راح ضحيتها ألوف الأشخاص.
التطورات الميدانية العسكرية بين قوات هادي وجماعة أنصار الله الحوثي، دفعت المملكة العربية السعودية للوقوف إلى جانب الشرعية (الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي)، من خلال شن عملية عسكرية عرفت باسم "عاصفة الحزم" قادتها الرياض بمشاركة عدد من الدول العربية.
حرب استخدم فيها الثالوث اليمني (هادي وصالح والحوثيون) ترسانة ضخمة من الأسلحة، حيث استعمل الحوثيون والقوات الموالية لهم، عدة أنواع بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة، للسيطرة على الوضع داخل اليمن والتصدي لقوات الجيش اليمني الرسمي، وفي المقابل عملية"عاصفة الحزم"، التي أعلنت السعودية انتهاءها في 21 أبريل 2017، لتدخل مرحلة ثانية تحت مسمى "إعادة الأمل".
إلا أن التدخل السعودي لم يكبح جماع الأزمة، لتزداد حدة الصراع ووتيرته بين كل الأطراف، ويتطور الأمر بقصف حوثي على الداخل السعودي في المدن والقرى المتاخمة للحدود اليمنية، وهو ما ردت عليه الرياض بقصف مكثف على مناطق سيطرة الحوثيين.
تساؤلات كثيرة أثيرت بشأن صمود قوات الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح في جبهات القتال، رغم ما تتعرض له من ضربات من طيران التحالف، وخسارتها لآلاف المقاتلين فضلا عن العتاد العسكري.
ويرى محللون وباحثون مختصون أن أبرز أسباب صمود هذه القوات في وجه ضربات التحالف يعود بجزء كبير إلى الاستيلاء على معظم مقدرات الجيش اليمني، بالإضافة إلى اعتمادها الأكبر على الأسلحة المتوسطة والخفيفة في المواجهات، لكن تبقى المسألة في الأزمة اليمنية أعمق مما يُكشف في وسائل الإعلام والتقارير الرسمية، فالكواليس تخفي ملفات حارقة يبقى أهمها "من أين يحصل الحوثيون والموالون لهم على إمدادات الأسلحة والعتاد في حرب الاستنزاف؟".
وفي هذا الإطار، صدرت عدة تقارير وبيانات وتسريبات لمصدر سلاح جماعة الحوثي، حيث تمكنت الجماعة من السيطرة تماما على كل أسلحة وصواريخ وطائرات القوات الجوية اليمنية بعد الانقلاب على الشرعية مطلع عام 2015.
واستطاع الحوثيون، الاستحواذ على كل الأسلحة الموجودة في 3 قواعد عسكرية رئيسية في صنعاء وتعز والحديدة، قبل الزحف جنوبا والوصول إلى قاعدة العند القريبة من محافظة عدن، حيث مقر الرئيس عبد ربه منصور هادي.
وتقول بعض التقارير أن الحوثيين تمكنوا من السيطرة على ألوية الصواريخ ومخازن الأسلحة في صنعاء والجبال المحيطة بها، في يناير من العام 2015 بعد حصار دار الرئاسة في صنعاء.
جدير بالذكر أن إحدى وسائل الإعلام نشرت في العام 2014 قائمة مفصلة للأسلحة التي استحوذ عليها الحوثيون.
إلى ذلك، وُجهت أصابع الاتهام إلى إيران، والتي قيل إنها أمدت الحوثيين بعدد من الصواريخ المتقدمة محلية الصنع من طراز "شهاب" و"فجر"، ما جعل منهم "قوة" عسكرية بالقياس مع أي جماعة أخرى في المنطقة.
وأكد محققون دوليون في عدد من التقارير وجود خط بحري لتهريب الأسلحة من إيران إلى الحوثيين في اليمن عبر إرسالها أولا إلى الصومال.
وتستند التقارير إلى عمليات التفتيش البحرية، حيث قالت منظمة "أبحاث تسلح النزاعات" التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها، إنها حللت صورا فوتوغرافية لأسلحة تمت مصادرتها في الفترة بين فبراير/شباط، ومارس/آذار 2016، حيث أشارت إلى أنه تم ضبط أكثر من 4000 قطعة سلاح، بينها رشاشات كلاشنيكوف و100 قاذفة صواريخ إيرانية الصنع، و2000 رشاش تحمل مميزات "صناعة إيرانية" و64 بندقية قنص من طراز هوشدار- أم إيرانية الصنع، وهو ما تنفيه طهران.
كما أشارت التقارير إلى أن الإمارات عثرت في اليمن حيث تشارك في التحالف العربي ضد الحوثيين، على صاروخ "كورنيت" يحمل رقما متسلسلا ينتمي إلى نفس سلسلة أرقام صواريخ تمت مصادرتها، ما يدعم المزاعم بأن الأسلحة أتت من إيران، وأن شحنات الأسلحة على متن سفينتي الداو كانت متجهة إلى اليمن، بحسب ما أفادت به التقارير.
كما تزايد الحديث في الآونة الأخيرة حول مدى تنامي الخطر الذي باتت تمثله القدرات الصاروخية لدى مقاتلي حركة أنصار الله الحوثية والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح كما ونوعا.
ويأتي هذا في ظل استمرار هؤلاء في التأكيد على أن صواريخهم المطورة محليا من نوع "سكود" و"توشكا"و"بركان" و"زلزال" وغيرها ما برحت تصل إلى أهداف في عمق الأراضي السعودية وعلى الحدود مع اليمن وداخله وقبالة سواحله على البحر الأحمر.
وهذا لا يعني فقط أن هناك قدرات صاروخية كبيرة لا تزال تتوفر لدى الحوثيين وقوات صالح مما سبق أن استولوا عليه من مستودعات الجيش اليمني، بل يعني كذلك أن جزءا من تلك القدرات شهد بعض التطوير والتحديث بالإضافة إلى وصول أنواع جديدة أخرى من الصواريخ.
أكثر من ذلك أن الحوثيين تمكنوا بمساعدة خبراء من تصنيع طائرات دون طيار قادرة على القيام بمهام استطلاعية وأخرى لحمل رؤوس متفجرة.
ولعل تصريحات علي عبد الله صالح الرئيس السابق، تؤكد المخزون الاستراتيجي الهائل والكم الكبير من العتاد والذخيرة، حيث قال صالح في مقابلة مع إعلاميين بمقر حزب المؤتمر الشعبي الذي يرأسه، في شهر يونيو 2017، إن إيران لم تدخل طلقة واحدة إلى الأراضي اليمنية، مشيرا إلى أن كل الصواريخ الباليستية اليمنية هي مخزونات استراتيجية جمعها عندما كان رئيسا.
وأفاد الرئيس السابق بأنها صواريخ "الشهيد الحي"، وقد شدد حينها على أن المخزون لن تطاله الصواريخ والطائرات، في إشارة إلى القوات اليمنية وقوات التحالف العربي بقيادة الرياض.
وتخلص معظم تحليلات الخبراء العسكريين إلى أن تلك المنظومة من الصواريخ الباليستية والطائرات الموجهة عن بعد لدى قوات صالح والحوثيين، وإن لم تكن قادرة على معالجة الخلل في موازين القوة مع قوات التحالف الذي تقوده السعودية، إلا أنها تشكل قوة ردع لا يستهان بها، وتثير تساؤلات بشأن قدرة التحالف على تحييدها وتفادي خطرها بفعالية أكبر وبدقة أكثر وكلفة أقل.
من المهم الإشارة إلى أنه لا يمكن حصر العتاد العسكري للقوات اليمنية الرسمية التابعة لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، كونها تتلقى دعما مفتوحا من قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، بالإضافة إلى وجود العديد من المساعدات العسكرية الأجنبية المعلنة والخفية، حيث أفرجت الولايات المتحدة، في العام 2014، عن مساعدة عسكرية لليمن بقيمة 26 مليون دولار، لتعزيز قدرات قواته المسلحة في مكافحة الإرهاب، إضافة إلى مساعدة بقيمة 1.2 مليون دولار لدعم جهود قيام جيش محترف.
جدير بالذكر أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى انخراط أكبر وأوسع في حرب اليمن، حيث طلب وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، في شهر مارس/آذار، من البيت الأبيض رفع القيود المفروضة على مساعدات واشنطن العسكرية لدول الخليج المشاركة في الصراع الدائر في اليمن.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست"، حينها، عن مسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترامب، أن الطلب الذي تقدم به ماتيس، لمستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي، اللفتنانت جنرال هربرت ماكماستر، ينص على أن "الدعم المحدود" للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات في اليمن لا يساعد على مواجهة "التهديدات المشتركة".
وأشارت الصحيفة إلى أن الموافقة على هذا الطلب سوف تعني تغييرا جذريا في النشاط العسكري الأمريكي في اليمن، الذي يقتصر الآن على عمليات مكافحة الإرهاب ضد "تنظيم القاعدة".
تبقى كل الاحتمالات في الصراع اليمني مفتوحة وموازين القوى غير ثابتة على أمل الوصول إلى حل سياسي بإشراف أممي، لكن تجب الإشارة إلى لاعب رابع على الساحة اليمنية غاب عنه الحديث منذ 2011، ألا وهو "تنظيم القاعدة بجزيرة العرب" الذي واصل نشاطه في الخفاء، مستغلا حالة الفوضى في اليمن لإعادة تنظيم صفوفه في انتظار ساعة الصفر.