سيدي الرئيس،
يعيشُ اليمن اليوم لحظاتٍ حَرِجة وصعبة ويدفعُ المَدَنيون الثمنَ الأكبرَ في الصراع المستمر. فمن لم يَمُت بالحرب قد يَموت مِن الجوعِ أو المَرضِ مع تَدهوُرِ الوضع الاقتصادي وتَفاقُمِ الحالةِ الانسانيةِ.
تَتَواصلُ المَعَارِكُ العسكرية في مُختَلَف المَناطِق والمُحافَظَات. ففي 4 أغسطس، وبِحَسب بعض التَقارير الميدَانية، أسفرتْ غارةٌ جويةٌ في مِنطَقة مَحْضَه بمحافظة صعدة عن مقْتلِ ثَمَانية مَدَنيين. وفي 18 يوليو، أسفرتْ غارةُ أُخرَى على مُديْرية مُوَزّع في مُحافظة تعز عن مَقْتَل أكثر من 20 مدنياً. كما اِستَمرّتْ قواتُ الحوثيين والقواتِ المواليةِ لعلي عبد الله صالح بِقَصف الأحياء السكنية في تعز ممّا أدّى إلى إلحَاق خَسَائرَ فادحةً بالمدنيين الذين يُعانون الكثير مُنذُ ما يَربو على عامَين. وكذلك أُطلِقَتْ صواريخَ باليستية باتجاه السعودية. كما أفادتْ تَقارير بوقوعِ هَجَماتٍ على سُفُن في ميناءِ المَخّا. وتُعدّ هذه الهَجَماتِ دليلاً آخرَ على التهديدِ المتزايدِ لِلأمنِ البَحري في البحر الأحمر ما يُعرّضُ لِلخَطَر الإمداداتِ الإنسانية والتجارية التي تَشتدُّ الحاجةُ إليها في البلاد.
كما شَهِدنا مُؤَخَراً أعمالاً قتاليةً على طولِ الحُدود اليمنية السعودية، وكذلك في ميدي بمحافظة حَجّة ومأرب. وتَصَاعدَ القِتَال في غربِ تَعِز في منطقةِ مُعَسكَر خالد بن الوليد والطُرق التي تَربِطُ تَعِز بالحُديدة.
وكذلك شَنّتْ قواتُ الحكومةِ اليمنيةِ بدعمٍ مِن القوات الخاصة الإماراتية والأميركية هُجوماً عَسكَريّاً في شَبوة، استهدفَ مُقاتلين مِن تَنظيم القاعدة. وكما ذكرتُ في السابق، أُكرّر اليومَ أيضاً أنهُ كُلَما طال أمدُ الصِراع، ازدادَ خطرُ الجماعاتِ الإرهابيةِ واتّسعتْ دائرةُ نُفوذِها.
وعلى صعيدٍ آخر، لا تزالُ الهجرةُ غير المنظّمة باتجاه اليمن عبرَ خَليجِ عَدنْ مُستمرةً وبِلا هَوادة ومُسفِرةً عن عواقب وخيمة. في 9 و 10 أغسطس، أفادتْ المنظمةُ الدوليةُ للهجرة بأنّ أكثرَ من 41 مهاجراً لَقوا حَتفَهُم عِندما أُجبِروا على القفز في البحر من قِبل المُهرِبين قُبالةَ سواحلِ شبوة.
باختصار، يَعصِفُ الموتُ باليمنيين جواً وبراً وبحراً وكذا الأمراضُ والأوبئةُ التي شهدتْ مُعدلاتٍ غيرَ مَسبوقة، كما قدم لكم وكيل الأمين العام للشؤون الانسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ ستيفن أوبراين.
ومن لم يقتلهُ داءُ الكوليرا، يُعاني حتماً مِن نتائجِ الكوليرا السياسية التي أصابتْ اليمن والتي مازالتْ تُعيقُ مَسَارهُ نَحو السلام.
سيدي الرئيس،
لقد قمتُ في الأسابيع الأخيرة بِزيارةِ جُمهوريةِ مِصر العربية والجُمهوريةِ الإسلاميةِ الإيرانية وسَلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتقيتُ بعددٍ من وُزراء الخارجية وكِبارِ المسئولين من اليمن والمنطقة، واتضح بصورة جَليّة أنّ الإجماع لا يزالُ كاملاً على ضرورةِ التوصلِ لِحلٍ سياسي للأزمة اليمنية ودعم مَسار السلام الذي ترعاهُ الأممُ المتحدة تحت إشراف الأمين العام. هناك وحدةُ صفٍ دولية لدعم التسويةِ السلميةِ على كافةِ المستويات إلا ان أطراف النزاع يفوتون الفُرصةَ تِلوَ الأخرى، وكأنّ بعض المعنيين بالنزاع يريدون الاستفادة مِن الانشقاقِ الداخلي لمصالح شخصيةٍ دون اعتبارٍ لِحاجةِ اليمن المُلِحّة لِلسّلام.
وبما أنّ الوضعَ السياسي حَرجٌ ودقيق ويقوّض مؤسساتِ الدولةِ التي يعتمدُ عليها اليمنيون، فلا بُدّ من اتخاذِ إجراءاتٍ فوريةٍ لتحييد المسار الإنساني ومنعِ البِلادِ مِنَ الوقوعِ أكثرَ في مستنقع العنفِ والأوبئةِ والمجاعة وأزماتٍ أخرى كان ولا يزالُ من الممكنِ تفاديَها والحدّ من انتِشارها. وهكذا فنحنُ نحثُّ الأطرافَ على الموافقةِ على إجراءاتٍ ترمي إلى المحافظة على مؤسسات الدولةِ الحيويةِ والمساعدةِ في المرحلة الأولى على تأمينِ تدفقِ المساعداتِ الإنسانية ودفع الرواتب لموظفي الدولة والحدّ من تهريب السلاح. يهدفُ المُقترح المطروح بشكلٍ أساسي إلى ضمانِ استمرارِ عَمل ميناءِ الحُديدةِ دونَ انقطاع وبِشكلٍ آمنٍ كونهُ الشَريَان الأساسي للاقتصادِ اليمني. ويشتملُ المقترح على خطةٍ عمليةٍ ترتكزُ على تسليمِ الميناءِ إلى لجنةٍ يمنيةٍ مكونةٍ من شخصياتٍ عسكريّة واقتصاديّة تَحظى بِقَبولٍ واسع وتعمل تحتَ إشراف وإرشاد الأمم المتحدة. ستعملُ اللجنةُ على الحدِّ من تهريبِ السلاح وضمان أمن وسلامةِ الميناء؛ عملياته وبُنيتهُ التَحتيّة، كما ستعملُ على ضمانِ التدفّق السّلس لِلموادِ الإنسانية والبضائع التجارية من خِلالِ الميناء إلى كافةِ أرجاءِ اليمن وتحويلِ إيرادات الميناء لدعم استئناف دفع الرواتب للموظفين المدنيين.
وبموازاة ذلك، نعملُ مع الفُرقاءِ على إعادةِ فتح مَطارِ صنعاء الدولي وهو جانبٌ حيويٌ وأساسي من المقترحات حتّى يتمكّنْ الجَرحى والمَرضى والطُّلاب من السَفر ولتيسير عمليات الاستيراد والتصدير وتحسين وضع المواطن اليمني.
كما ندعو كافة الأطراف إلى الانخراط بشكل إيجابي مع مطالب ممثلي المجتمع المدني في تعز إلى إعادة فتح الطرقات من وإلى تعز لتسهيل حركة اليمنيين والمؤن الانسانية والتجارية. لقد تجاوزت المعاناة الإنسانية في تعز كافة الحدود وعلى الأطراف المسئولة العمل بشكل عاجل على تخفيف المعاناة والوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي وقيم التضامن والتعاطف العريقة التي طبعت المجتمع اليمني منذ الأزل.
سَتُشكّل هاتان المبادرتان خطوةً مهمةً لبناءِ الثقةِ بين الأطراف ومرحلةً أولى نحوَ تجديْد وقف الأعمال القتالية على المستوى الوطني واستئناف المُباحثات من أجل حلٍ شاملٍ وكاملٍ مُكونٍ من شِقْين أمني وسياسي بناءاً على مُشاوراتِ الكويت. أُدركُ أنّ اليمنيين يطالبون بهذه الخطوات وآملُ أن تُبادرَ أطرافُ الصراع إلى تَبَنيها بأسرعِ وقتٍ مُمكن.
سيدي الرئيس،
لقد التقيتُ رئيسَ الجمهورية اليمنية عبد ربّه منصور هادي مُنذُ أيام وتباحثنا في عددٍ من المُقترحاتِ والأفكار. كذلك أبْدى وُزراءُ خارجيةِ كلٍ من مِصر وإيران وعُمان والإمارات العربية المتحدة والسعودية الدّعم الكامل لهذه المُقترحات التي لَقيتْ أيضاً تأييد مجلسِ التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية.
لقد وصلتني الشهر الماضي رسالةَ من طرفِ أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام تؤكدُ البناء على ما تم النقاشُ حولهُ خِلالَ مُشاوراتِ الكويت. وقد قمتُ بِدعوتِهم إلى الاجتماعِ معي في بلدٍ ثالثٍ من أجلِ مناقشةِ هذه المقترحات وتحويلها إلى اتّفاق يَحوي خطواتٍ ملموسةٍ لِتفادي المَزيدَ من إراقةِ الدماء وتخفيفِ المعاناةِ الإنسانية. وأرجو أن يلتزموا بحضورِ هذه الاجتماعاتِ بأقربَ وقتٍ مُمكن، إذ أنّ كُلَ يومٍ نتأخّرُ فيه عن العمل بجديّة من أجل الحل يؤدي الى مزيدٍ من الدمار وخسارةٍ الأرواح.
سيدي الرئيس،
إنّ طريق اليمن نحو السلامِ واضحٌ والمُقترحاتِ العملية للسير فيه جاهزةٌ بما يؤدي إلى تحقيق نتائجَ ملموسة وبناء الثقةِ بين الأطراف. إنّ الدّعم الدولي للحلّ الكامل والشامل ولجهودِ الأمم المتحدة لم يتزعزع. لا ينقصُ في هذه المرحلة إلا أن تُبرهنَ أطرافُ النزاع، دون أي تأخيرٍ أو تبريرٍ أو تسويف، عن نيّتها الحقيقيّة بإنهاء الحربْ وتغليبِ المصلحةِ الوطنيةِ على المصالحِ الشخصية.
إنّ إلقاءِ اللوم على الأممِ المتحدةِ أو على المبعوث أو المُجتمع الدولي لا يصنعُ السلام، والتأجيل والتبرير والتهويلِ الإعلامي لا يُنهي الحُروب إنّما يزيدُ من عمق الشرخ الحاصل. فمَدَاميكُ البيتِ الصلبة تُبنى مِن الداخل كما تُبنى الأوطانُ والمؤسساتُ بالشراكةِ والتكاملِ بين مُختلف الأطياف وبمراعاة مطالبِ الناس من الشَمالِ إلى الجَنوب على أُسسٍ ودَساتير تحمي المواطنين، كلَ المواطنين، شباباً وأطفالاً رجالاً ونساءً مِن كافّةِ التوجُهات الفكريةِ والسياسية.
إنّ من يريدُ السّلامَ يخلقُ الحُلول ولا يُفتّش عن المُبرِرات ولا أُخفي عليكم أنّ هناكَ العديدَ مِن تُجّارِ الحُروب في اليمن الذين لا يُريدون السّلام. فلنتابع العملَ مع الفُرقاء اليمنيين والمنظماتِ الحقوقية والمجتمعِ المدني حتّى نتوصلَ إلى تغليبِ لُغة السّلام والتوصّل إلى اتّفاقٍ سياسي يُعيدُ الأمنَ للبلاد والاستقرار إلى الشعبِ اليمني الذي لا يستحقّ أقلَ مِن ذلك.