خوف وقلقل، وحالة من الهلع التي لم يسبق لها مثيل انتابت اليمنيين بسبب تفشي وباء الكوليرا، وانتشاره كالنار في الهشيم في احياء العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية، وزاد من ذلك الهلع الاحصائيات المخيفة لضحايا الوباء والتي تتصاعد يوما بعد اخر.
وفي جردة حساب لضحايا الجائحة فقد فتك وباء الكوليرا خلال الاسبوعين الماضيين بحياة اكثر من 222 شخص فيما وصل عدد الحالات المشتبه بها الى 20 ألف حالة، وفقا لما للتقارير الرسمية المعلنة حتى مساء الخميس الماضي. وبالطبع لم تشمل الاحصائيات المئات من المرضى في القرى والمناطق البعيدة. إذ ان التركيز كان على مواجهة الوباء في المدن الرئيسية والتي فاق قدرات الجهات الصحية. ووفقا لمنسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية المقيم في اليمن فان الإحصائية الفعلية لحالات الكوليرا تفوق الأرقام المعلنة.
أبرز الضحايا:
أهالي الضحايا الذين ماتوا بسبب الكوليرا يرفضون الظهور عبر وسائل الاعلام، ويتجنب اغلبهم الحديث عن قصص وفاة اقرباء لهم بسبب الكوليرا، لأسباب مجتمعية ومتنوعة.
وفي حديثه لـ(المركز اليمني للإعلام ) يقول مصطفى محمود 18 عاماً ان جدته توفت قبل اسبوع بسبب اصابتها بمرض الكوليرا من الدرجة الثانية حيث كانت تعاني من الاسهال الحاد والقي المتواصل، وان اثنتين من قريباته يقمن في ذات المنزل اصيبا بالعدوى، وعلى اثرها اسعفا الى المستشفى.
أما بشير الابهر 22عاماً فتوفي والده في إحدى المشافي الخاصة بصنعاء بعد يومين من اشتباه الاطباء بإصابته بالكوليرا. يقول بشير: "اسعفت والدى الى مستشفى ازال بعد ان زادت حالته سوءا بسبب الاسهال الحاد والقي الشديد، قيل لنا في البداية ان حالته مشتبه بانها كوليرا وقاموا بحقنه بمحاليل الارواء واستمر الحال هكذا حتى اليوم الثاني بعدها اخبرونا الاطباء ان رئة والدي بدأت تنشف وان الكلى تعاني من مشاكل وتوفي والدي الذي لم يعرف المرض قط طيلة حياته"
صراع مع الموت:
وداخل عدد من المشافي والمراكز الصحية يصارع الموت مئات الاطفال من مختلف احياء صنعاء المدينة المنكوبة رسمياً وشعبياً.
وفي هذا الصدد تقول والدة الطفلة كريمة ذات الثلاثة اعوام في حديثها لـ(المركز اليمني للإعلام) : انتقلت من مستشفى لآخر بحثا عن مكان امن لعلاج ابنتي، كانت كل المستشفيات مزدحمة وغير نظيفة ولا يوجد فيها طواقم طبية كافية لاستيعاب المرضى، فذهبت لاحدى المستشفيات الخاصة وطلبوا مني ان ادفع مبلغ كبير تحت الحساب او ان اضع ذهب، اخبرتهم بأني لا املك شيء واننا فقراء وانفجرت من البكاء لكنهم ردوا علي بأنهم غير قادرين على استقبال ابنتي مهما كانت الظروف ،اسودت الدنيا في وجهي ودعيت الله ان يسخر لابنتي مكان آمن"
وتضيف: حينها اخبرتني احدى النساء بانها تستطيع ان تدخل ابنتي للعلاج في مستشفى السبعين، وها هي ابنتي اليوم ترقد فيه منذ خمسة أيام".
عجز وتنصل:
انهيار النظام الصحي وانتشار النفايات وانعدام الخدمات الأساسية، بما فيها المياه النظيفة لساكني صنعاء، والاف النازحين الوافدين اليها، اضافة الى ازمة انقطاع المرتبات، وما خلفته من فقر مدقع اثر على كافه نواحي الحياة المعيشية للمواطن، كل ذلك ساهم بشكل او بأخر من اتساع الرقعة الجغرافية للوباء الذي كان محصوراً في مناطق معنية منذ اكتشافه لأول مره في حي النصر بصنعاء قبل تسعة أشهر.
وفيما اعلنت وزارة الصحة مؤخرا صنعاء مدينة منكوبة بالوباء، يقلل وكيل الوزارة د. نشوان العطاب من هذا الاعلان ويقول: في الوقت الذي تنعدم فيه أي معلومات دقيقة وواضحة عن انتشار المرض، وزير الصحة يعلن الاستسلام أمام الكوليرا. ويضيف العطاب : وزير الصحة قال ان وباء الكوليرا يتجاوز قدرات أي نظام صحي متعارف لكن حكومة بن حبتور اعلنت انها في انعقاد دائم لمواجهة الوباء.
ولم يقتصر التناقض في التصريحات الرسمية الصادرة عن مسؤولين في صنعاء، بل تكرر في الحكومة الشرعية، حيث قلل مصدر مسؤول بوزارة الصحة في حكومة بن دغر من مخاطر كبيرة تحدق بالمجتمع اليمني جراء انتشار وباء الكوليرا. وقال مدير عام الخدمات الطبية بوزارة الصحة التابعة لحكومة بن دغر د. عبدالرقيب محرز " هناك مبالغة كبيرة في التناول والتعاطي مع انتشار الكوليرا واثارة الهلع بين اوساط المجتمع، نطمئن الجميع بان هناك جهود كبيرة تبذل من قبل قيادة الوزارة والمتمثل في التواصل المستمر مع المنظمات الدولية وارسال الفرق الميدانية من الاستشاريين الى محافظة ابين وبقية المحافظات والتوجيه بتوفير الادوية والاحتياجات الضرورية لاحتواء الكوليرا.
غير ان الرئيس هادي وصف الامر بالحدث الطارئ ووجه نداء لمواجهة وباء الكوليرا خلال زيارته الاخيرة لمركز الملك سلمان للإغاثة في الرياض، وهو النداء الذي استجاب له الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز. وجاء طلب هادي بعد ايام من اعلان دول كـ فرنسا والكويت انها ستقدم مساعدات عاجلة لليمن بهدف القضاء على الكوليرا، فضلا عن الدور الكبير الذي تلعبه منظمة اليونسيف في مواجهة الوباء.
مكافحة الانتشار:
وتتحدث منظمة الصحة العالمية إن الكوليرا استفحلت في 11 محافظة يمنية أي ما يعادل نصف محافظات البلاد، أما الأمم المتحدة فقد اعلنت في اخر بيان لها بشأن اليمن، أن أكثر من 7 ملايين يمني معرضون لخطر الإصابة بالكوليرا وسط عجز السلطات المحلية في المحافظات اليمنية عن مواجهتها . واجمالا تقول المنظمات الدولية العاملة في اليمن كالصحة العالمية واليونسيف والصليب الاحمر وغيرها انها لن تستطيع مواجهة المرض بمفردها دون تعاون السلطات الحاكمة والمواطنين.
وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن الدكتور نيفيو زاغاريا في حديثه لـ (المركز اليمني للإعلام): "نحن قلقون من عودة الكوليرا في مناطق مختلفة باليمن خلال الأسبوعين الماضيين. يجب أن تتضافر الجهود الآن لاحتواء الوباء وتفادي تزايد الحالات المصابة بأمراض الإسهال، وبدورنا فإننا استجبنا مع شركائنا الصحيين لمواجهة ارتفاع حالات الكوليرا والإسهالات المائية .
ويشاطره القلق رالف الحاج المتحدث الرسمي الاقليمي لمنطقة الشرق الاوسط والادنى بالصليب الاحمر والذي يرى ان الحد من تفشي انتشار الكوليرا يكون بالنظر الى اساس المشكلة وجذورها والبحث عن الأماكن الاكثر وبائاً والاخذ بتجارب دول كانت تعاني من نفس ظروف النزاع المسلح واستطاعت السيطرة على انتشار الكوليرا ومحاصرته كجنوب العراق على سبيل المثال.
ويضيف الحاج في حديثه لـ (المركز اليمني للاعلام) : " نحن نسعى لمواجهة وباء الكوليرا في اليمن بأي طريقة كانت فأرقام المرضى تتكاثر بشكل سريع لذا يجب تتبع اجراءات عدة من شأنها ان تخفف من انتشار الوباء، مثلا يجب ان ترفع النفايات من شوارع صنعاء والمناطق الموبوءة بشكل عاجل، ويجب الاهتمام اكثر بنظافة وسلامة مصادر مياه الشرب، ويجب ان يتبع الناس الطرق والوسائل الوقائية من إصابتهم بالمرض ،اضافة ان هناك حوالي 3ملايين نازح يمني بسبب الصراع المسلح في البلاد يعيشون في مستويات غير ملائمة للمعيشة الإنسانية ويحتاجون الى مياه نظيفة على الاقل حتى لا تتفشى الكوليرا بينهم وتفتك بهم.
ويستطرد الحاج: ونحن في الصليب الاحمر نعتبر الحد من انتشار الكوليرا وعلاج المرضى من اولوياتنا العاجلة في الوقت الراهن لذا قمنا بالاستجابة السريعة لأكثر من ستة مستشفيات في العاصمة صنعاء وزودنا المستشفيات بالمستلزمات الاساسية لعلاج حالات الاصابة بالكوليرا و اقراص الكلورين التي تعقم وتنظف البيئة وسنمد المستشفيات بشكل اكبر في الايام القادمة.
تاريخ الكوليرا في اليمن:
وتفتقر المكتبة اليمنية من وجود كتب او دوريات توثق تاريخ مواجهة اليمنيين للأوبئة والكوارث والامراض فيما وجد باحثون في الطب معلومات حول وضع الطب والخدمات الطبية في اليمن، إضافةً إلى معلومات عن الكوادر الطبية على مستوى منطقة الحجاز عبر وثائق عن تاريخ اليمن في العهد العثماني محفوظة في المكتبة الوطنية في بلغاريا بمدينة صوفيا، وكتاب اخر بعنوان «كنت طبيبة في اليمن» وفيه تكشف الطبيبة الفرنسية كلودي فايان التي عملت في اليمن ما بين 1950و1951 صورة قاتمة ومخيفة عمّا كان عليه الحال قبل قيام النظام الجمهوري بـ12 عاماً حيث انتشار المجاعة والأمراض الفتاكة التي قتلت الاف اليمنيين ومن ضمنها مرض الكوليرا. والمتقصي للواقع الصحي قبل عام 1960يستحيل عليه أن يجد أسرة واحدة لم تفقد طفلا أو أكثر بسبب الأمراض الفتاكة التي كانت تتعاقب على اليمن بصورة موجات مهلكة.. أما عدد المشافي قبل الستينيات فقد كانت بعدد الأصابع واستمر الوضع هكذا حتى فترة السبعينات وبداية التسعينات التي شهدت تحسنناً في الخدمات الصحية.
اجراءات احترازية:
وظهرت الكوليرا من جديد في العام الثاني للحرب التي تشهدها اليمن على شكل موجتين الموجة الاولى لم تكن كالثانية التي نشهدها اليوم والتي انتشر فيها الوباء بشكل مخيف مما جعل دول عربية تعلن عن اتخاذ اجراءات احترازية ضد اليمنيين المسافرين اليها خشية من نقل الوباء الى بلدانهم، حيث قررت السلطات الجيبوتية مؤخراً، منع دخول اليمنيين إلى أراضيها، بشكل مؤقت فيما أعلنت السلطات المصرية الحجر الصحي في مطار القاهرة، حالة الطوارئ لمنع تسلل وباء الكوليرا المنتشر وسط الركاب القادمين من اليمن.
إمكانية العلاج:
وعلى الرغم ان الكوليرا مرضٌ مُعدٍ الا ان إمكانية علاجه والحد من انتشاره والوقاية منه حتى في حال انتشاره ممكنة في حال اتباع التعليمات واتخاذ الإجراءات الوقائية التي يحددها الاطباء.
يقول د. صلاح علي من مختبر الصحة المركزي بصنعاء في حديثه لـ (المركز اليمني للإعلام) : " يجب ان يكون هناك وعي ودراية من قبل الناس بخطورة الكوليرا التي تنتشر بشكل وباءٍ يصيب العديد ويقتل نسبة كبيرة من المصابين خصوصاً من فئة الأطفال ، ويجب ان يعرفوا اعرضها والمتمثلة بالإسهال الحاد والقي والعطش الشديد والجفاف الحاد وتقلصات مؤلمة في الصدر أو البطن أو الاطراف وانها تحدث جراء ابتلاعِ غذاءٍ أو ماءٍ ملوثٍ ببكتريا الكوليرا"Vibrio cholera" ،ولا تظهر أعراض مرض الكـوليرا بشكل فوري على الشخص المصاب لكن الأمر يستغرق من 12 ساعة كحد أدنى و خمسة أيام كحد أقصى لبداية ظهور الأعراض ويمكن علاج المرض بأملاح الإماهة الفموية، لذا في حال شعور أي شخص بإسهال حاد عليه ان يتوجه الى اقرب وحدة صحية لديه وان لا يستسهل الامر "
المركز اليمني للاعلام