دولة مدمرة وقتال مميت ومجاعة مهددة: عامان بعدما تدخل تحالف بقيادة العربية السعودية في اليمن تجد البلاد نفسها الآن أمام انهيار تام. في نهاية مارس 2015 انطلقت الهجمات الجوية ولحقتها قوات مشاة وحصار بحري. ويضم التحالف العسكري قطر والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين والكويت والأردن. أما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا فإنها تدعم العملية لوجستيا.
ومعارضو هذا التحالف هم المتمردون الحوثيون الشيعة وأجزاء من الجيش اليمني الذين ظلوا أوفياء للرئيس المخلوع في 2012 علي عبد الله صالح. والهدف المنشود للتحالف هو إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف به دوليا والذي سُلب السلطة إلى الحكم، وبالتالي الحد من تأثير إيران في اليمن.
هدف الحرب: التأثير في الشرق الأوسط
وما بدأ كنزاع سياسي داخلي تطور في الأثناء إلى قتال من أجل النفوذ في المنطقة بين العربية السعودية وإيران. ويفيد خبراء أنه لا بوادر على نهاية. وقال آدم بارون من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بلندن:"السيناريو الأكثر احتمالا هو أننا سنشهد أيضا بعد عامين نزاعا في اليمن". وأضاف:"في اليمن تحصل أكبر أزمة إنسانية في العالم. وجميع البوادر توحي بأن الوضع سيتدهور أكثر".
الحمل الأكبر للحرب في أفقر بلاد في العالم العربي يقع على عاتق المدنيين. قصف بالقنابل لاسيما من جانب التحالف دمرت مدارس ومستشفيات وأجزاء من البنية التحتية. ومنظمات حقوق الإنسان تتهم جميع الأطراف بارتكاب جرائم حرب. وتتهدد المجاعة سبعة ملايين شخص وهم بحاجة ماسة إلى مواد غذائية. ويحتاج ما يقرب 20 مليون نسمة، أي ثلثي مجموع السكان مساعدة إنسانية. وقد تسبب النزاع في تهجير 3 ملايين من وطنهم وقتل نحو 8.000 آخرين وجرح أكثر من 42.000 شخص.
كيف كانت البداية
في سبتمبر 2014 سيطر المتمردون الحوثيون على العاصمة صنعاء. وهرب الرئيس هادي بعدما أُجبر في كانون الثاني/ يناير على التنحي. وانتقل في البداية إلى عدن في الجنوب الذي اقترب منه الحوثيون أكثر في بداية 2015، وهرب هادي بعدها إلى العربية السعودية.
وبمساعدة التحالف استرجع أنصار هادي في صيف 2015 السيطرة على عدن وأجزاء واسعة في الجنوب. وهناك شكل هادي في سبتمبر 2016 حكومة مؤقتة ومقرها عدن، وبعدها بشهرين ألف الحوثيون والرئيس السابق صالح حكومة في صنعاء. وبهذا وصلت المحادثات المدعومة من قبل الأمم المتحدة التي من شأنها إنهاء النزاع إلى نهايتها. ومنذ بداية 2017 وسعت الحكومة المدعومة من التحالف سيطرتها على الشاطئ الغربي على البحر الأحمر غير أنها لا تتقدم في المناطق المحيطة بصنعاء.
من هم الحوثيون
الحوثيون هم أتباع الزيدية وهم أتباع مذهب شيعي يملك مدرسة فقهية معينة، ويشكلون نحو ثلث مجموع السكان في اليمن السني. وهم يشتكون منذ مدة من التمييز ضدهم. ونشأت حركة الحوثيين في التسعينات كرد فعل على مد من الحركات السياسية السنية مثل السلفية وحزب الإصلاح المقرب من حركة الإخوان المسلمين.
وقاتلت ميليشيات الحوثيين بين 2004 و 2010 ست مرات ضد جيش الرئيس السابق صالح. وقد أحدثت موجة الربيع العربي في 2011 تقلبات في اليمن حيث فقد صالح السلطة، وتموقع الحوثيون في السياسة في هذه الفترة الانتقالية. وعندما انهارت حكومة الرئيس الجديد هادي انضم الحوثيون إلى معسكر الرئيس السابق صالح.
إيران داعش والقاعدة
العربية السعودية تتهم الحوثيين بأنهم اليد الطولى لإيران في شبه الجزيرة العربية وبربط اتصالات مع حزب الله اللبناني. لكن علاقة الحوثيين بطهران متشعبة. فإيران تمول المتمردين ماليا وعسكريا، في حين يقول خبراء بأن العلاقة بين الطرفين ذات مصالح. ويقول آدم بارون من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "أن تكون للحوثيين علاقات مع إيران فهذا لا يعني أنهم يمثلون مجموعة من الدمى بيد إيران". ويقول علي فتح الله نجاد الخبير الإيراني في مركز بيلفير في جامعة هارفارد: "إن العربية السعودية تبالغ في دور إيران في اليمن لتضفي الشرعية على تدخلها العسكري".
التدخل العسكري السعودي في اليمن هو إلى حد كبير حرب اختيارية. وقد بدأ نائب الأمير محمد بن سلمان الحرب بوقت وجيز بعد تعيينه وزيرا للدفاع. وفي هذه الفترة بالذات كانت إيران تعمل جاهدة للتخلص من عزلتها الدولية بسبب برنامجها النووي.
ووافقت الولايات المتحدة الأمريكية على منح الدعم للتحالف كإشارة للتضامن في وقت عبرت فيه الرياض عن قلقها من تأثير إيران في الشرق الأوسط.
ويرى ابريل لونغلي ألي من المجموعة الدولية للأزمات أن "الحوثيين يشكلون خطرا على الأمن الوطني السعودي، على الأقل لأنهم سيقضون على التأثير السعودي داخل اليمن". ويضيف "للحرب تبعات كارثية على أمن اليمن والسعودية".
ويرى الخبراء أن الحرب سيكون لها تأثير كبير كافة المنطقة وخارجها: لأن فاعلين غير حكوميين بما في ذلك القاعدة عززت مكانتها في اليمن عقب تغيير الحكم في 2012. ومنذ الحرب الأهلية وانهيار الدولة كسبت هذه التنظيمات سلطة أكبر في اليمن، بينها "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" – التي تعتبر أخطر شبكة إرهابية- وكذلك ما يسمى "داعش".
وأفادت منظمة العفو الدولية أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا باعتا منذ مارس 2015 أسلحة بقيمة نحو خمسة مليارات للعربية السعودية وساعدت بالتالي في ارتكاب "خروقات كبيرة" والتسبب "في كارثة إنسانية".
وفي تشرين الأول/ أكتوبر أعلن الجيش الأمريكي أن إحدى سفنه في البحر الأحمر هوجمت من قبل المتمردين الحوثيين وبدعم من إيران. ودمرت البحرية الأمريكية على إثرها منشآت رادار للمتمردين. وقد يحتدم النزاع تحت حكم الرئيس دونالد ترامب، لأن حكومته تعتزم نهج أسلوب قوي ضد إيران.