"يقضون الوقت في جبهات القتال، وأبقى وحيداً هنا بعدما كنّا نذهب معاً إلى المدرسة". يقول عزيز (16 عاماً)، متذكّراً أصدقاءه الأربعة الذين تركوا المدرسة قبل شهر للانخراط في جبهات القتال (شمال مدينة صنعاء)، لافتاً إلى أنّ والده هو الذي منعه من ذلك. في بعض الأحيان، يجبرون على ذلك، أو يضلّلون.
تنتشر ظاهرة تجنيد الأطفال في كل مناطق اليمن، وتسعى مختلف الجماعات المسلّحة، الموجودة حالياً في اليمن، إلى استقطاب الأطفال، الذين ينجذبون بسببب تردّي الأوضاع الاقتصادية. هؤلاء يعودون إلى مناطقهم وقد تغيّروا وباتوا أكثر عنفاً بسبب الصدمات التي تعرّضوا إليها.
عادة ما تهتمّ الجماعات المسلّحة بجذب القاصرين والشباب للالتحاق في جبهات القتال. على سبيل المثال، تقدّم فرق التجنيد التي تحمل اسم "اللّجان الثقافية" عروضاً مختلفة لإغراء المقاتلين الجدد، وذلك من خلال محاولة إغرائهم بالمال أو الدين، خصوصاً بعدما قضت الحرب على أية فرص عمل جديدة، وتوقف دفع الرواتب للموظّفين الحكوميين، بالإضافة إلى عدم قدرة الناس على التكيّف مع واقعهم الجديد في ظلّ تدهور الأوضاع المعيشية.
في واقع كهذا، باتت العروض المقدّمة من اللّجان الثقافيّة شرّاً لا بد منه. وتقدّم اللّجان وعوداً للقاصرين والشباب بدفع رواتب لهم، وذلك بعد أشهر قليلة من الالتحاق بها، وتقييم أدائهم ومدى إلتزامهم. بالإضافة إلى المال، يحصلون على وجبات غذائيّة، وكميات وفيرة من نبتة القات، ووعود بإعفائهم من الذهاب إلى المدرسة في مقابل تقديم تسهيلات كبيرة لهم خلال أدائهم الامتحانات المدرسية نهاية العام، والاستمرار في دفع الرواتب في حال الوفاة أو الإصابة، وإن كانت لا تفي بالكثير من وعودها.
كان عبد الوهاب (15 عاماً) قد التحق بإحدى جبهات القتال، وأصيب بطلق ناري على جبهة مدينة تعز. في وقت لاحق، رفض والده الضغوط عليه للسماح لابنه بالالتحاق في جبهات القتال مجدداً، خصوصاً أنه لم يحصل على العلاج اللازم، بعدما رفضت الجهة المقاتلة دفع التعويضات اللازمة له. في هذا السياق، يقول أبو عبد الوهاب لـ "العربي الجديد": "سلمت سلاح إبني للجهة المقاتلة، وقد فقدت الثقة بها بسبب عدم التزامها بأقل ما يمكن من التعويضات الطبية"، لافتاً إلى أنّ إبنه كاد يفقد حياته، وقد تشوه وجهه.
ويعرب أبو عبد الوهاب عن ندمه لأنّه كان قد وافق على مشاركة ابنه في الحرب. يقول: "لم أكن لأوافق على ذلك لولا أن بعض أفراد اللّجنة الذين أخذوه إلى الجبهة وعدوه بأن يتولّى حراسة بعض منشآت جماعتهم، ليتفاجأ بأنّهم دفعوا به إلى الخطوط الأمامية للقتال، علماً أنّه لا يملك أية مهارة قتالية باستثناء مشاركته في تدريب محدود".
ويلفت إلى أنّه كان قد وافق على مشاركة ابنه في الحرب لأن الجماعة أطلقت حملة تعبئة بشريّة ومالية واسعة لدعم القتال في جنوب البلاد قبل نحو عامين. ومع صعوبة حشد البالغين، كان البديل استغلال الأطفال والقاصرين. وفي مدينة عدن، يقول عدد كبير من الناس إن الانضمام إلى الجماعات المسلحة هو بهدف الحراسة أو الحماية أو مرافقة الجماعة في دوريات ضبط الأمن.
ويعرب عدد كبير من الأهالي عن تردّدهم قبل السماح لأطفالهم بالمشاركة في قتال الجماعات المسلّحة المتطرّفة. أسمهان عبد الباري تلُاحظ حجم تغيّر الشباب بعد عودتهم إلى مناطقهم، بسبب تعرّضهم لصدمات. وتلفت إلى أنّ شقيقها، الذي التحق بإحدى جبهات القتال، تغيّر كثيراً بعد عودته إلى البيت. تقول إنه بات لديه هاجس بأنّه مراقب، وأنّ أفراد أسرته يتعاونون مع خصومه لمراقبته، ولم يعد يثق بأحد.
إلى ذلك، تؤكّد الباحثة الاجتماعيّة هند ناصر أن الحرب في اليمن "أغلقت جميع الأبواب أمام الشباب، وأصبحوا لا يجدون أية فرص عمل". وكنتيجة، شعروا بالاحباط، ما دفعهم للانضمام إلى الأطراف المتحاربة في مقابل الحصول على المال.