ي وقتٍ تزداد الاحتياجات الإنسانيّة وأعداد المتضرّرين من الحرب في اليمن، تواجه معظم المنظّمات الإنسانيّة والدوليّة عراقيل كثيرة تساهم في منع وصول المساعدات الإغاثية الأساسية إلى المناطق المتضررة. وتشمل هذه العراقيل انعدام الأمن وابتزاز المسلّحين وشحّ التمويل.
تعيش أسرة محمد الرازحي النازحة من صعدة في إحدى قرى مديريّة الزهرة في الحديدة، وهي المحافظة الأفقر غرب اليمن. ويشكو الرازحي من تعليق إحدى المنظّمات الإنسانيّة لتسيير شاحنات مياه الشرب إلى قرية أبكر التي تعيش فيها 80 أسرة نازحة أخرى، بعدما أوقفت السلطات الأمنيّة طواقم المنظّمة الدوليّة التي ظلت تدعمها منذ نزوحهم إلى المنطقة.
يقول الرازحي لـ "العربي الجديد" إنه تضرّر منذ توقّفت المنظّمات عن إدخال المساعدات إلى القرية، ما دفعه إلى البحث عن بدائل أخرى، على رأسها الاقتراض وقطع مسافات طويلة لجلب المياه، مضيفاً أن استمرار هذا الوضع قد يدفعه إلى مغادرة القرية.
من جهته، يوضح موظّف سابق في إحدى المنظّمات، رفض الكشف عن اسمه، أن مكتب أمن المحافظة الذي يسيطر عليه تنظيم أنصار الله (الحوثيون) منعوا منظّمته وعدداً من المنظمات الدولية والأممية من العمل في مديريتي الزهرة وعبس ودعم النازحين فيها، في ظلّ محاولات مستمرة للضغط على المنظّمات من أجل إخضاع أعمال الإغاثة لسياسة الوحدة التنفيذية لتنسيق مخيمات النازحين التي يسيطر الحوثيون عليها أيضاً.
يضيف الموظف أن المكتب الأمني كان قد حاول استغلال أنشطة المنظمات للوصول إلى معلومات أمنية عن النازحين الذين ينتمي بعضهم إلى أحزاب غير موالية للحوثيّين، الأمر الذي سبق ورفضته منظّمته. ويشرح أن "عدم الكشف عن معلومات المستفيدين تلتزم فيه جميع المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية، ولا تساوم عليه"، لافتاً إلى أنّ المموّلين يمنعون أي دعم مستقبلي للمنظمة في حال ثبت لهم أي إخلال بهذا المبدأ. يضيف أنّ "نقاط التفتيش في المنطقة لطالما احتجزت طواقم المنظّمات خلال عملها، ليخرجوا بعد أيام تلي مفاوضات بين المنظمات والمسلحين". ويشير إلى أن المنظّمات لا تعلن عن هذه الممارسات، خشية منع نشاطاتها أو زيادة المضايقات.
وفي مناطق الجنوب التي حرّرت من الحوثيّين قبل نحو عام، ما زالت النشاطات الإغاثية بسيطة في ظل انعدام الأمن، واستمرار عمليات تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بحسب تقارير صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة (أوتشا).
إلى ذلك، يصف الناشط حسن الحبيشي هذه التقارير بـ "المبالغ فيها"، لافتاً إلى أن بعض المنظّمات تقدّم مساعدات إغاثية بالإضافة إلى أعمال الترميم. يقول لـ "العربي الجديد" إن ضغوط الحكومة الشرعيّة على المنظمات الدولية للعمل في مناطق جنوب اليمن جعلت الكثير منها ينشئ مكاتب إدارة ودعم لوجستي في العاصمة الجيبوتية، بسبب قربها نسبياً من عدن وغيرها من هذه المناطق. رغم هذا، لم تسجّل المنظّمات تحسّناً ملحوظاً في عمليّاتها في المناطق الجنوبيّة.
وفي ظلّ كلّ هذه التحدّيات والمعوّقات، كان أداء المنظّمات الدوليّة ضعيفاً نسبياً. وشملت المساعدات أربعة ملايين مواطن يمني منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، في وقت كان يجب أن تطاول نحو 14 مليون مواطن، قبل أن تصبح احتياجات اليمنيّين حرجة، خصوصاً بعد ارتفاع عدد النازحين إلى 3.1 ملايين، بحسب تقرير لـ"أوتشا". وتشير الأخيرة إلى أن جميع المنظّمات المحلية والدولية العاملة في الإغاثة لم تتسلّم من المموّلين خلال العام الجاري إلا 39 في المائة فقط من إجمالي المبلغ الذي طلبته، وهو 1.8 مليار دولار، بهدف إيصال المساعدات إلى اليمنيين.
وتحذّر "أوتشا" من أن الاهتمام الدولي في سورية كان سبباً لانخفاض التمويل لليمن، لافتة إلى أن انخفاض تمويل قطاع الأمن الغذائي قد يؤدّي إلى إيقاف جميع عمليات توزيع الغذاء ومشاريع دعم المعيشة، رغم أن نسبة تمويل هذا القطاع كانت الأكبر.
إلى ذلك، كان أداء المنظّمات ضعيفاً للغاية، لناحية الاستجابة لخدمات تغذية الأطفال تحت سن خمس سنوات، والأمهات الحوامل، والمرضعات، وشمل 20 في المائة فقط من إجمالي المستهدفين، وعددهم 2.4 مليون شخص. أما النازحون، فكانوا الفئة الأقل استفادة، بعدما حصل 58 ألفاً على بعض الخيام ومؤن الإيواء وأدوات المطبخ، وحصول 297 أسرة نازحة، لا غير، على بدلات إيجار مساكنهم. واستفاد 90 ألف تلميذ فقط بعد ترميم المدارس المتضررة من الحرب، في وقت استفاد 215 ألف تلميذ من حقائب وقرطاسية وغيرها، بالإضافة إلى حصول 114 ألف تلميذ على الدعم النفسي.