افضت الحرب في اليمن وسوء الأوضاع الاقتصادية فيه إلى اختفاء عدد كبير من الأطباق التي كان اليمنيّون، لا سيما أبناء الطبقة الوسطى في المجتمع، يحرصون على توفيرها على مائدتهم الرمضانية. فاستغنت أسر كثيرة عن أنواع متعددة من الأطعمة التقليدية التي كانت مفضّلة في شهر رمضان، بسبب عدم قدرتها على توفير متطلباتها، وذلك على خلفيّة تراجع مصادر الدخل وارتفاع نسبة الفقر بشكل حاد في البلاد خلال الأشهر الماضية.
يقرّ أسامة العبسي، وهو أحد المواطنين، بأنّه عمد إلى تقليص حجم مشترياته التي تعوّدت عليها أسرته في شهر رمضان، بسبب نفاد المال لديه. يقول: "قبل أيام من شهر رمضان من كل عام، كنّا نضع أنا وزوجتي قائمة من المتطلبات الغذائية التي تغطّي احتياجات الأطباق الرمضانية الخاصة طيلة الشهر الفضيل، ونتوجه مع أطفالنا إلى المتاجر الكبرى لشرائها. لكنّنا هذا العام لم نستطع فعل ذلك، واكتفينا بشراء بعض الضروريات الأساسية من أحد المحلات المجاورة". يضيف أنّه تخلّى عن كثير من الأطعمة اليومية التي لا تفارق مائدة رمضان عادة، الأمر الذي خلّف حزناً كبيراً، خصوصاً في نفوس الأطفال المتلهفين إليها.
ويذكر العبسي بعض الأصناف التي استغنت عنها أسرته، مثل المعكرونة وأنواع الفواكه والمشروبات والعصائر والحلويات المختلفة واللحوم، موضحاً أنّه "لم نعد نشتري اللحوم إلا نادراً، فأسعارها مرتفعة جداً. كذلك، لم نعد نهتمّ بأطباق الحلوى بعد ارتفاع أسعار السكر والدقيق"، لافتاً إلى أنّ أفراد أسرته يتفهمون أسباب ذلك العجز، بعدما أصبح بلا عمل إثر اندلاع الحرب.
وهذا العام، خلال شهر رمضان الذي شارف على نهايته، اكتفت أسرة العبسي بتناول طبق "الشفوت" المؤلّف من اللبن المخفوق منزوع الدسم، ورقاق "اللحوح" وهو خبز طريّ ليّن ورقيق يُصنع من دقيق القمح أو الذرة، بالإضافة إلى الأرزّ والفتّة والسلطة. ويقول العبسي: "نكتفي بهذه الأطعمة. وأحياناً في العطل وأيام الجمعة، نأكل السمبوسة والمهلبية ولحم الدجاج، سعره أقل من لحم العجل، بعدما كانت هذه الأصناف لا تفارق مائدتنا اليومية في رمضان".
من جهتها، تؤكد سمية صُلح أنّها لم تعد قادرة على التفنّن بالطهو في شهر رمضان كما كانت تفعل في السابق. هذا الشهر كان بالنسبة إليها فرصة لتطبيق ما تطّلع عليه من وصفات أكل عبر وسائل الإعلام ومن جاراتها المتحدرات من مناطق يمنية غير منطقتها. تقول: "يهتمّ الرجال كثيراً بالطعام خلال رمضان، بسبب الجوع الناتج عن الصيام لساعات طويلة. لهذا، ينفقون المال بسخاء لشراء المواد اللازمة لصناعة الأطباق الشهيّة الخاصة بوجبة الإفطار. وهذا السخاء النادر، كان يساعدنا على التفنّن في تحضير الأكلات". لكنّها تشير إلى أنّ زوجها لم يعد قادراً على توفير المشتريات التي تحتاجها لطهو الأطعمة التي تعلّمتها خلال السنوات الماضية في شهر رمضان، مثل الكبسات (أرزّ مع اللحم) بأنواعها والمحاشي التي يشكّل اللحم نصف حشواتها وبعض الأكلات اليمنية الأخرى. تضيف صُلح أنّ "اليمنيين اعتادوا استغلال هذا الشهر لدعوة الأقارب إلى العشاء. لكنّنا لم نفعل هذا العام، بسبب ضيق ذات اليد".
عجز أسر يمنية كثيرة عن شراء بعض الأطعمة، ليس السبب الوحيد الذي دفعها إلى الاستغناء عن بعض الأكلات الرمضانية. فالانقطاع التام للتيار الكهربائي وندرة الغاز المنزلي أو ارتفاع سعره في السوق، من العوامل التي ساعدت على اختفاء أطباق رمضانية مختلفة. في هذا السياق، تقول صُلح: "لا أستطيع صناعة حلوى المهلبية أو أصناف أخرى من الحلويات، إذ إنّ المبرّدات (الثلاجات) لا تعمل بسبب انقطاع الكهرباء. كذلك، فإنّ اختفاء الغاز من الأسواق بين حين وآخر، يجعلنا نحرص على عدم التبذير في الغاز وطهو الوجبات الضرورية فقط". تضيف: "في بداية شهر رمضان، حاولت إعداد مشروبات تقليدية مثل نقيع الشعير والزبيب وأيضاً بعض الحلويات مثل المهلبية والجيلي، وتبريدها بطريقة تقليدية. لكنّني فشلت، وقرّرت عدم طهوها مجدداً حتى عودة التيار الكهربائي".
بحسب ما يتناقله مواطنون يمنيّون في العاصمة صنعاء، فإنّ كثيرين منهم استغنوا عن أصناف مختلفة من الأطعمة مثل الوجبات المصنوعة من اللحوم والعسل بمختلف أنواعها، والحلويات الشعبيّة من قبيل "الرواني" و"الشعوبية" و"البسبوسة" و"القطائف" و"الشعرية" وغيرها. كذلك راح البعض يشكو من عدم قدرته على توفير التمر الذي ارتفعت أسعاره بصورة كبيرة. أما آخرون، فعبّروا عن عجز أكبر في ما يتعلّق بتوفير حتى أساسيات الغذاء، من قبيل الأرزّ والقمح والخضار. وفي هذا السياق، يشير الناشط محمد العصري إلى أنّ آلاف الأسر، خصوصاً النازحة وفي المناطق الساحلية الفقيرة تحديداً، لا تجد ما تأكله. ويؤكّد أنّ المائدة الرمضانية الخاصة بهؤلاء تقتصر اليوم على حصّة واحدة في كثير من الأحيان، استطاعوا توفيرها بعد عناء وجهد.