قال مساعد أمين عام الأمم المتحدة ومستشاره الخاص لليمن جمال بنعمر في كلمته بحفل اختتام مؤتمر الحوار الوطني الشامل :" قبل أكثر من عشرة أشهر، تحديداً في الثامن عشر من مارس 2013م في ذكرى جمعة الكرامة، اجتمعنا لافتتاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل، قلت حينها إني أتطلع صوب شرائح متنوعة من النساء والرجال والشباب اليمني، وأرى فيهم الأمل في يمن جديد، يمن قرّروا المشاركة في صنع مستقبله عبر حوار غير مسبوق في تاريخ البلاد والمنطقة، أرست أسسه المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية اللتين أنهيتا حقبة مؤلمة من تاريخ اليمن الحديث".
وأضاف :" نجتمع اليوم مجدداً احتفاءً بتشييد ركن أساس في عملية نقل السلطة والتغيير السلمي، أهنّئكم جميعاً، أعضاء مؤتمر الحوار ورؤساء الفرق وهيئة الرئاسة والرئيس عبدربه منصور هادي وأمين عام الحوار أحمد عوض بن مبارك وجميع اليمنيات واليمنيين، على حكمتكم وشجاعتكم، أهنّئكم، أشدّ على أياديكم، وأقول: افتخروا بإنجازكم العظيم، فقد دخلتم التاريخ من بابه الواسع، وأثبتتم لأنفسكم ولشعوب المنطقة العربية والعالم أنكم قادرون على صنع المعجزات".
وتابع بنعمر قائلاً :" لقد وضعتم أسلحتكم جانباً وعقدتم العزم على الانعتاق من ماضي الصراعات والاضطهاد والفساد وإساءة استخدام السلطة والتحكّم في الثروة، عقدتم العزم على فتح صفحة جديدة، على إعطاء فرصة جديدة لبلد عمره آلاف السنين، ولشعب صبور وعريق يتغنّى التاريخ الغابر بحكمته، فرصة من أجل بناء دولة مدنية حديثة وقوية، ومجتمع عادل وآمن ومزدهر، لقد قدّمتم فرصة مستحقة لوضع عقد اجتماعي جديد، ولتلبية تطلعات اليمنيات واليمنيين في دولة يسودها القانون والعدالة وحقوق الإنسان والمواطنة المتساوية والديمقراطية والحكم الرشيد فأدعوكم الآن إلى تلقف الفرصة واستثمارها إلى أبعد الحدود من أجل مستقبل أبنائكم وبناتكم ".
وأشار أمين عام الأمم المتحدة ومستشاره الخاص لليمن، إلى أن الحوار الوطني لم يكن نزهة، بل كان مسيرة شاقة تخللتها عقبات وتحديات كثيرة، وصلت أحياناً حدّ التضحيات الشخصية، تماماً كما حصل منذ أطلق الشباب مسيرة التغيير ونزلوا الساحات.
ولفت إلى أن اليمن خسر خلال بضعة أشهر من الحوار بعض خيرة رجالاته، آخرهم الدكتور أحمد شرف الدين حين كان في طريقه إلى الجلسة الختامية لمؤتمر الحوار، فضلا عن تعرّض عدد يسير من المتحاورين للتهديد والترهيب ومحاولات الاغتيال والاختطاف، وأحياناً محاولات شراء الضمائر .. مؤكداً أن هذا ليس سوى غيض من فيض ممارسات دأب البعض عليها، في محاولة يائسة لإحباط عزيمة اليمنيين وإفشال الحوار وتقويض مسيرة التغيير.
وقال :" أطمئنكم هذا لم يعد ممكناً، لأنّ اليمنيين توافقوا على عدم العودة إلى الماضي".
وأضاف :" كان المخاض عسيراً حقاً، لكنه لم يحل دون ولادة أسس ومبادئ وخارطة طريق يمنية توافقية واضحة ومفصّلة نحو يمن جديد، حيث جهدت فرق العمل في مؤتمر الحوار طيلة الأشهر الماضية لإنجاز مخرجات كثيرة، منها ما يخصّ قضية صعدة والقضية الجنوبية، ويسعدني التزام المتحاورين حلّ القضية الجنوبية حلاً عادلاً في إطار دولة جديدة موحّدة على أساس اتحادي وديمقراطي ".. معتبراً ذلك انتصار تاريخي للجنوبيين وقضيّتهم أولاً، ولجميع اليمنيين، ويشكل ثمرة مفاوضات صعبة بعد عقديْن من الانتهاكات والتهميش.
وأكد جمال بنعمر ثقته بأنّ الجنوبيين محصّنون ضد التحريض على العنف، الذي يهدف إلى إدخالهم نفقاً مظلماً وإبعادهم عن جوهر قضيتهم وعدالتها .. ودعاهم إلى التجاوب مع وثيقة الحلول والضمانات للقضية الجنوبية، التي توافق عليها ووقعها جميع المكوّنات.
وأشار إلى أن المشاركين في مؤتمر الحوار قدموا نموذجاً راقياً لعملية شفافة وتشاركية تمثل فيها مختلف المكوّنات السياسية والاجتماعية سيصبح هذا النموذج مرجعاً يحتذى في عمليات حوار مماثلة في العالم .. مبيناً أن وثيقة المخرجات النهائية ميثاق نموذجي وواعد في التأسيس لبداية جديدة، التأسيس لدولة تبنيها سواعد النساء والشباب الذين ينادون بالتغيير، وها هم اليوم يطلقون مشروع الدولة الحلم.
وبين أن الوثيقة تجسّد كذلك انتصاراً لمشروع التغيير السلمي على حساب الاقتتال والحرب، انتصاراً لمستقبل اليمن على حساب الماضي والمتمسّكين فيه.
واستشهد المبعوث الأممي بما قاله الرئيس عبدربه منصور هادي يوم تبنّي وثيقة المخرجات بأنّ المسيرة مستمرة حتى تحقيق أهداف أبناء اليمن .. وقال :" وكلنا يعلم أنّ الطريق أمامنا لا يزال طويلاً، ودونه تحديات كثيرة، لذا لن تتوقف مسيرتكم بانتهاء مؤتمر الحوار، أنتم اليوم سفراء التوافق والتسامح والمصالحة الوطنية والبناء في أنحاء اليمن".
وأردف بنعمر :" ينتظر مجلس الأمن الدولي أن أقدّم تقريراً جديداً في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، أستعرض فيه قصة هذا الإنجاز غير المسبوق في تاريخ اليمن، أو ما أسماه الرئيس هادي "معجزة"، سأنقل للعالم مرة أخرى صورة عن مشهد يمني حضاري خبرناه طيلة الفترة الماضية، وأصبح ملهماً لتجارب كثير من الشعوب، خصوصاً في ظل ما يشهده بعض دول المنطقة من تخبّط واضطرابات ومآس".
واختتم المبعوث الأممي بالقول :" هنا لا يفوتني التنويه بالقيادة الحكيمة والشجاعة للرئيس عبدربه منصور هادي في هذه المرحلة الدقيقة، وكذلك بالدور الرائد لدول مجلس التعاون الخليجي وجهود الأمين العام الدكتور عبداللطيف الزياني".
وأضاف :" واعلموا أنّ الأمم المتحدة والمجتمعيْن الدولي والإقليمي سيواصلون دعمكم بصوت واحد والوقوف إلى جانبكم، إلى جانب كلّ من يحمل شعلة الأمل والرخاء والازدهار كما حملتها يوماً بلقيس، ملكة سبأ، وأورثتها لحضارات متعاقبة، شعلة، أعلم أنكم ستحملونها دون كلل وتسلمونها أمانة في مستقبل أفضل للأجيال المقبلة ".