رئيس اللجنة التحضيرية للحركة السياسية لشعب الجنوب يهنئ بن شاجع بشهر رمضان         أمين عام حزب العدالة والحرية يهنئ بن شاجع بحلول شهر رمضان         اليمن: شخصيات اجتماعية وسياسية تهنئ الشيخ بن شاجع بحلول شهر رمضان     


كتابات وآراء

الموت عبرة أيها المبحشمون !!

د. سعاد السبع 30/07/2013 11:57:42

لا يوجد أمر أجل ولا أخطر من الموت، الموت هو الحقيقة الوحيدة التي تذكر الجميع بأن الحياة الدنيا فانية لا ينبغي أن يظل الإنسان يصارع من أجلها وإنما هي دار مرور سريع إلى دار الخلود... يقول القرطبي - رحمه الله - في كتابه "التذكرة" :"اعلم أن الموتَ هو الخَطْب الأفظع، والأمر الأشنع، والكأس التي طعمُها أكره وأبشع، وأنه الهادم للذَّات، والأقطع للراحات، والأجلب للكريهات، فإن أمرًا يقطع أوصالك، ويفرق أعضاءك، ويهدم أركانك، لهو الأمر الفظيع، والخطب الجسيم، وإن يومَه لهو اليوم العظيم"؛ اهـ.

وقال البيهقي - رحمه الله - كما في كتابه "الزهد الكبير":"الموتُ كسوفُ قمرِ الحياة، وخسوفُ شمسها، وهو ليومِ الحياة مساء، والمحسن والمسيء فيها سواء، وهو منتهى راحة قوم، ومبتدأ عذاب آخرين، والموت بين الدنيا والآخرة جسرٌ، لكل أحدٍ معبر عليه، والموت وإن كان للحياة الفانية آخرًا، فهو للحياة الباقية أولاً وصدرًا". فالموت ليس نهاية المطاف، إنما هو بداية الرحلة الأبدية.

ولو أنَّا إذا مِتنا تُركنا *****لكان الموتُ غايةَ كلِّ حيِّ
ولكن إذا متنا بُعِثنا ***** ونُسألُ بعدَه عن كل شَيِّ

ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: "القبر أولُ منازل الآخرة".

الميت يلاقي ربه فيستريح من عناء الدنيا لكنه يترك الحزن والحسرة وعذاب الفراق الأبدي لمحبيه ... ونحن الذين لا نزال أحياء اعتدنا أن نلتف حول أسرة الميت لنعزيهم ونصبرهم ونذكرهم بالحياة الآخرة وندعو لفقيدهم، لكنا نرتكب في حق أنفسنا أخطاء جسيمة تبدأ من أول لحظة للتعبير عن أحزاننا في موقف الموت، فلا نحن نحسن الذكر ولا نحن نعتبر بالموت ..

ذهب أحدهم لتقديم التعزية في قاعة عزاء فخرج بعد وقت قصير متحسرا على أحوال الناس يقول : القاعة مكتظة بالمخزنين والمدخنين معظمهم لا يستطيعون أن يحركوا ألسنتهم بذكر الله من شدة انتفاخ أوداجهم بالقات... القاعة تعلوها سحابة كثيفة من دخان السجائر ، تكاد تخنق الأنفاس.. حتى أهل الميت حالهم لا يختلف عن المعزين، يتوسطهم منشد لا يُسمع من كلامه شيء، مخنوقة حروف أذكاره بالبحشامة ...

أي جلسات هذه يا أهل القلوب الرقيقة؟!!! وأي اعتبار بالموت سوف تشعرون به في جو كهذا؟ أين روحانية ذكر الله؟!! أين الاعتبار برهبة الموت؟!! كيف لنا أن نحول جلسات التعزيات إلى جلسات للكيف؟!! ألا نخجل من الله؟!! ألا نخاف من الموت ؟!! ألا نحترم موقف الموت؟!! لماذا لا نحسن التعبير عن أحزاننا؟!! لماذا لا نخشع ونتفرغ عقلا وذهنا وقلبا وجسدا للاعتبار بالموت ومراجعة حساباتنا في الحياة الفانية؟ !!! لماذا لا نستحي من الله على الأقل في جلسات الموت؟!!

أين علماؤنا الأجلاء مما يحدث في جلسات العزاء ؟!! لماذا لا يوعون الناس بآداب الحزن والاعتبار بالموت؟!! لماذا لا يصدرون فتوى تحرم القات والتدخين في جلسات العزاء على الأقل؟!!

كان اليمنيون إلى وقت قريب يجتمعون في المساجد للدعاء للميت ومواساة أهل الميت والاعتبار بالموت بذكر الله ومراجعة النفس..أما اليوم فلا فرق بين الموت والفرح سوى اختلاف المنشدين؟!!

اللهم إنا نسألك العفو والعافية ونسألك أن تعيد إلينا إنسانيتنا وعواطفنا النبيلة، فقد تبلدت مشاعرنا وتحجرت قلوبنا وصدئت عقولنا بسبب القات والتدخين فلم نعد نعتبر بالموت ولم نعد نشعر بروحانية ذكر الله ولم نعد نأبه لتغيير حياتنا استعدادا للقاء الله، صرنا ندفن موتانا ونحن نفكر بقاعة العزاء والأكل والقات قبل مغادرة المقبرة ..

عاداتنا في مواقف الموت سيئة جدا وبعيدة عن آداب ديننا الرحيم بالناس، عاداتنا في الموت يجتمع فيها الفقد والفقر والتبلد والاستهتار، أبعدناها عن التقرب إلى الله وجعلناها موتا وخراب ديار لأهل الميت و تبلدا واستهتارا للمعزين .فهل نعيد للموت حرمته ونعتبر منه ونعد أنفسنا لملاقاة الله؟ أم سنلتحق بمن قال -تعالى- فيهم: (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَات مَا كَسَبُوا وَحَاقَ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ) الزمر: 48