رئيس اللجنة التحضيرية للحركة السياسية لشعب الجنوب يهنئ بن شاجع بشهر رمضان         أمين عام حزب العدالة والحرية يهنئ بن شاجع بحلول شهر رمضان         اليمن: شخصيات اجتماعية وسياسية تهنئ الشيخ بن شاجع بحلول شهر رمضان     


كتابات وآراء

الوعي الذاتي باكياً

جمال حسن 01/03/2014 07:06:19


لماذا نكتب؟ تحت إلحاح الحاجة أو الشغف؟ في توليفات السياسة المتمسرحة بالابتذال يتواجد البعض لكي يقول ما يجعله في حيز بغيض للفرجة، أعني تواجد مساحة جمهور افتراضي يصفق، أو على طريقة الشبكات الاجتماعية في نيل اعجابات. السياسة تفرض على الكاتب الصحفي، أن يكون خبرياً، أن يلتصق بقضايا عامة يتداولها الناس. المهزلة، في ذلك الخلط بين فضاء الأفكار وحلبة التلاكم، وفي الحلبة ثمة هوس بالنجومية. على الأقل بتصميم شخصيته ضمن تمثال أو صورة، فيبارح البعض ذواتهم في جمود الصورة التي لا تنتسب له عدا في تشابهات فيزيلوجية. لذا تحول المشهد الافتراضي للتنظير حول وقائع السياسة حلبة بدائية، لا تنتج أفكاراً بقدر الضجيج. أو تلك الصورة الهزلية لهوس صناعة يقينيات أو استبدالها بأخرى.

ماذا عنى لنا قرار مجلس الأمن الأخير، بشأن عقوبات معرقلي التسوية في اليمن؟ البعض فضل إيجاد مساحة لليقينيات، فاستحدث مآتم. جلبة من الرثاء لما أسموه السيادة اليمنية. أحد أصدقائي وصف ذلك عبر صفحته في الفيس بوك «التباكي بدموع التماسيح على السيادة اليمنية». ما قصدته أن التعاطي مع الوقائع يخلط بين ذاتية الفنان والموضوع، لكن دون ايقاع جمالي. في الواقع، غاليت عندما اشرت لذاتية الفنان، انتهكتها بكل قسوة. لأن كثيرين وهم يعارضون هذا التدخل، لم يعن لهم في الأمس التدخل العسكري لقوات الاطلسي في ليبيا. والبعض بارك وبرر لتوجيه ضربة أميركية لسوريا. ثم إن مواقفهم في الأمس كانت مختلفة إزاء صيغة قرار في مجلس الأمن لليمن، لم يكن هناك إشارة لوجود انتقاص سيادة، بل ارادوا قراراً حازماً. إذن لا يوجد لمثل هؤلاء تعريف محدد للسيادة.

في العقود الأولى للقرن العشرين، تحدث الفيلسوف النمساوي كارل بوبر عن التعبير الذاتي والموضوعي في الفن، وقال إن بيتهوفن هو الذي تسبب في انحلال الموسيقى، لأنه فتح الفن للتعبير الذاتي، مع أن بيتهوفن نفسه لم يكن ذاتياً بل موضوعياً. في الفنون أيضاً يفضل البعض أن يكون موضوعياً. وما قصده بوبر هو حضور القالب الموسيقي الذي انتهكه الرومانسيون لمصلحة الذاتي والعاطفة.

يمكن ربط السياسة بالفنون، بأهمية وجود بعد خيالي. ونابليون أحد أكثر القادة العسكريين والسياسيين ذكاء، كانت فتوحاته ملحقة بمكتبة متحركة وفرقة تعرض مسرحيات يومية. في أوروبا تذهب بعض الاتجاهات النقدية إلى المطالبة بفن موضوعي، بينما مازلنا في اليمن نمارس قضايا الواقع بوعي ذاتي وعاطفي، وفي الغالب وعي غيبي. فالعاطفة خلال العقود الماضية استحدثت كل الخيبات. وبلد كاليمن منهك ومنقسم معرض لكل الخيبات معرض لكل سيناريوهات التدخل إذا سقط كدولة. وبدلاً من التركيز على إسقاط كل مشروع يعيق الحل السياسي في وجود دولة يمنية، نذهب وراء الافتراضات العاطفية. أليس عنواناً لاستجلاب وهم المقاومة؟ حتى تلك الميليشيات الدينية المتطرفة والأكثر رجعية. فحزب الله في لبنان لم يتمكن من حماية لبنان من الانتهاك الإسرائيلي بما أنه ميليشيا طائفية تتواجد في فراغ المقاومة. بينما وجود دولة لبنانية قوية هو القادر على جعله بلداً غير منتهك، لذا تم اسقاط سوريا بالميليشيات الراديكالية.

ماذا علينا فعله لنتجاوز الأمر الواقع. البعض تحدث عن التدخل بأنه سيزيد من توسع القاعدة. لكن الوعي الناقص هو في إغفالنا الدائم للتنمية وربما الشعارات الزائفة بالمقاومة التي استحدثها الوعي الراديكالي الإسلامي. فانهيار الوضع الاقتصادي هو الذي يسمح لوجود القاعدة، لم يتحدث معظمنا على التنمية، بل جعلنا كل حل سياسي عبئاً على الاقتصاد. مؤخراً طالب الرئيس النيجيري لتدخل الخارج من اجل الميليشيات الدينية المسلحة. في الأسبوع الماضي إحدى الصحف أنزلت عنواناً رئيسياً على صفحتها الرئيسية «نهاية الاستقلال». وهذا يعيد انتاج الواقع ضمن مغالطات، كما لو اننا نمجد العهود الماضية باعتبارها لحظات استقلال. استهبالنا باعتبار أن القرار لم يأت كنتيجة لعقود ملطخة بالفشل والتبعية. أليس عنواناً يستدعي حضور ميليشيات متطرفة تعيش على وهم المقاومة. بينما هي عامل لسقوطنا المستمر في فرضيات الماضي؟!.

ما يزعجني هو أن التصلب الذي يبديه البعض في آرائهم، قابل لزعزعة الرؤى فقط بينما يبقى التصلب عند كل تحول. هل انأ من أولئك الراغبين بصناعة يقين آخر، أي مباركة القرار كما لو كان مرفأ الأمان الحقيقي لليمن. لا.. ليس الأمر بذلك التبسيط الذي نجدف فيه معظم آرائنا. فمفهوم السيادة اليوم ليس كما هو في الأمس. حتى بالنسبة للدول الكبرى هناك مرونة. فالقرار المحاط بإجماع الدول الكبرى، ليس يقيناً بقدر انه امر واقع. اليابان من أهم بلدان العالم واقواها اقتصادياً، لكنه بلد منتقصة سيادته أميركيا إلى حد ما. أذعن لشروط الهزيمة، لكنه احتال لإعادة نفسه في واجهة الدول المتقدمة. ثمة شعوب تفرض إرادتها، أما نحن نتباكى فقط. ولأن اليابان فرض نفسه اقتصادياً جعله يتمتع بامتياز في الواقع الدولي، لكن نحن كبلد منقسم ومتهالك، تنتعش فيه الميليشيات الدينية المسلحة، فإنه قابل لكل سنياريوهات السقوط والتدخل.

هل هناك فرصة لليمن لتجنب اي سيناريو في العراق او سوريا او افغانستان. بالتأكيد لكن في حال استعدنا تواجدنا في شروط حديثة وليست غيبية. وعلينا أولاً السؤال من هو الذي فتح ابواب التدخل الخارجي. أليس هم المتباكون اليوم، النخب التي اعتقدت بلحظة أنها امتلكت الحكم وكذلك الوحدة، أو تلك القوى التي أرادت أن تمتلك الحكم إما بسطوة الدين أو قوة السلاح؟.. ألا تكمن المشكلة اليوم في وجود معيقين حقيقيين للعملية السياسية في اليمن؟ هنا نعرف أي خطر يهدد وجودنا.



التعليقات