ملتقى مشائخ ووجهاء اليمن يدين العدوان الصهيوني على اليمن         تكتل قبائل بكيل يهنئ اليمنيين بالذكرى الـ34 للوحدة اليمنية         ملتقى مشائخ ووجهاء اليمن يهنئ أبناء الشعب بالذكرى الـ34 للوحدة اليمنية     


كتابات وآراء

الأعصاب في مواجهة الفكرة

جمال حسن 16/11/2013 07:34:42

ما يدور من جدل حول تمديد الفترة الانتقالية، يشبه الاصطفاف في مطعم هو الأكثر ازدحاماً بصنعاء، ففي طريق عودتي اضطر للالتفاف من شوارع فرعية، تجنباً للزحام. تُرى ما المغري فيه؟ وبعد مرات من الالحاح على التجربة، قالت طفلتي متباكية: بابا لا تكون تشتري من هذا الأكل. بالفعل لا هوية طعم فيه، إنه من النوع الذي يسد الشهية. مع ذلك مازال هو الأكثر اكتظاظاً. لكن البعض لديه تفسيرات لاهوتية، فيقول "سبحان الله يرزق من يشاء بغير حساب"، ثم يذهب ليؤكد هذه المعادلة الغيبية. وبين اللاهوت والغريزة يتداول اليمني مواقفه. هل ثمة منطق في واقعنا؟

اليمن فريد في العالم، بمعنى انه بحاجة لتفسيرات ونظريات اكثر خصوصية. إذ أن الجدل هنا لا يراهن على صراع الافكار وتجاورها لإنتاج قيم جديدة، بل على التعنت، فالكل يريد أن يحمي فكرته ويحصنها، فلا قابلية للنقاش. يبدو اني اقتفي طريق تأمل غير صوفي.

مؤخراً تحدث الدكتور ياسين سعيد نعمان في محاضرة، مشيراً إلى انه بدون المبادرة كان هناك خيار الحرب، فإما يفوز طرف الرئيس السابق ويقمع معارضيه او الطرف الذي انشق بما يملكه من جيش، وسيحتكر الثورة لحسابه. كان واضحاً في خطابه، أو على الأقل ما فهمته، أن نتائج الحرب كانت ستعيد شروط الاحتكار للسلطة من طرف منتصر وبصورة اكثر قسوة. ومازال الطرفان، من وجهة نظري، يراهنان على اسقاط الحوار، واعاقة المرحلة الانتقالية، لتستفرد بالبلد آلية صراعهما. فإما يحل احدهما مكان الآخر، أو يستعيد الآخر مكانه. على جدران بعض الحارات نشاهد علامات سوداء تقول "لا للتمديد". وبالطبع وراءها طرف ما، يراهن على تحقيق إملاء شروطه ومكاسبه للتوافق.

إذن السؤال المطروح هل حققت المرحلة نتائجها، وهل الانتخابات بديل اكيد سيحقق الحل. ما قاله ياسين بأن المرحلة العصيبة لليمن، تتطلب تمديدا، دعمها بوقائع يمكن مشاهدتها، اقصد وضع اليمن غير القابل للانتخابات، فالبلد بحاجة لرؤية سياسية تحمي سلطات الدولة من احتكار، من المؤكد أن يسعى له أي طرف، فالانتخابات كذلك تتحول من شكل للانتخابات إلى جوهر، لكن زحمة هائلة اهتاجت ضد ياسين، لم تكتف بمعارضة التمديد بل حملته كل الأسباب والنتائج. حتى انها تخلت عن الوقائع، ليس لنزوع تأملي، بل بشحنة انفعالية تخلط بين ضباب التعميم وخطاب سياسي لا يتخلى عن الواقع في ما يقوله. تخلي الهجوم المهتاج عن التفكير، وحتى عن الجانب المرح في إرادته التهكمية.

دعونا نتعامل مع ياسين كما هو، كصوت لديه القدرة على تقديم تفسير أكثر مصداقية لما يدور في خفايا السياسة اليمنية. كما اني لست مع تلك الحشود الأخرى التي أرادت أن تخلع عنه مزاياه وتجعله ايقونة لاتكالهم الذهني وانصياعه، فيقابل التحامل بفرض خطوط حمراء تحيط السياسي بأقواله وتمنع عنها تنفس الأفكار المتعارضة معه. لكن البعض يزعجه وجود نجم سياسي بهذا المقدار، والبعض، كما الاسطورة الصينية، يريد سقوط النجم إلى اله من حجر. فمقولة السياسي تحتمل المعارضة وليس حشداً يخلط بين التأويل والافتراء. وفي هذا الجدل تصبح السياسة لاهوتا، يتنازع فيها مؤمنون بأرباب مختلفة، فيريد تعارض مقدسات. وقامت الحملة ضد ياسين على اساس لاهوتي، بمعنى أن تحاملها يقوم على نظرة مشوشة.

لكن هل نرفض النقد، بمعنى أن ياسين لا يجب أن يوجه إليه نقد. البعض تحدث عن صناعة الاوثان بسذاجة، وكنت التقيت قبل فترة احد المتعاطفين مع الحوثيين ينتقد صناعة الاصنام، أليس مضحكا. ما يقوله ياسين لا ينتج خطاب وثني، بل على العكس الاكثر استثنائية في ما يطرحه من افكار. مع ذلك الاهتياج ضد ياسين، هو دلالة على نجوميته، إذ يريد المتطلعون للنيل من سمات الضوء. وفي مقابل ما يطرحه ياسين من أفكار نستطيع الاتفاق أو الخلاف معها، اراد البعض تقديم نفسه دون أفكار، عبر النيل من ياسين. حول النت، شبكة عصبية تحاول النيل من شخص ياسين، وهكذا عندما لا توجد افكار يكون هناك أعصاب. التعسف ضد ياسين يريد التغطية كذلك، بقصد أو بدون قصد، على سمات الواقع الحقيقية. على مراكز النفوذ التي تحاول اعاقة بناء الدولة.

الغريب أن الاطراف المتصارعة، النظام السابق والمنشق عنه، التحالفات القبلية المتنافرة والمتنازعة، تتفق ضمنياً ضد المرحلة الانتقالية، وضد التمديد. الحوثيون والسلفيون يقتتلون، لكنهم يتفقون ضد بناء الدولة. وكل اولئك يعرفون كيف يساومون لتحقيق مصالحهم. بينما المزعج هو مجاميع تعتقد انها مدنية ومثقفة، لا تدرك مصلحتها إلا في اطار التزاحم. لماذا يتركون المسؤولين عن إشعال الفوضى، ويريدون تحميل ياسين مساوئ مراكز النفوذ التقليدية. ما البديل عن فشل الحوار أو إعاقة المرحلة الانتقالية، اي شكل للانتخابات يمكن حدوثه. على الغاضبين من ياسين، أن يطرحوا أفكارا بدلاً من أن يتحول الأمر تقاطعات عصبية.

في الواقع اليمني بدلاً من تطور المشهد السياسي، بما يسمح للتجارب أن تراكم خبرات، سنرى السياسي أو المثقف يرهق نفسه في بناء يتمترس حول ما يقوله، وما يكاد أن يكون نواة فكرة حتى تتعفن قبل نضوجها وتركد. أزمتنا هي الذائقة التي تجعل الناس يكتظون في مطعم اكلاته بلا نكهة. والذائقة مفردة مشتقة من التذوق، وكذلك هي في الانجليزية. يقول الشاعر محمد إقبال، أن الناس يظلون عبيداً، لأنهم لا يدركون الجمال في هذا العالم. إذ ليس القيمة أن نغضب، بل كيف نفكر وندرك الجماليات الممكنة حولنا.

 

 



التعليقات