النسخة كاملة
زواج القاصرات..اغتصاب بغطاء شرعي
27/09/2013 14:47:14

هي واحدة من القضايا الاجتماعية الشائكة داخل المجتمع اليمني المعروف بتركيبته القبلية المحافظة التي ترفض التعاطي مع ما يخالف العادات والتقاليد، التي اخذ بعضها - مع مرور الوقت - طابع السنن التشريعية الدينية المحمية بفتاوى دينية ومواقف سياسية متشددة، تحول دون الاقتراب من معالجة هذه القضية!


أثارت حادثة وفاة طفلة في الثامنة من العمر - تدعى روان بعد تزويجها برجل أربعيني جراء اصابتها بنزيف وتهتك اعضائها التناسلية خلال ممارسة الزوج لعنف جنسي معها ليلة الزفاف - حفيظة الرأي العام اليمني والدولي، معيدة ومسلطة الضوء على قضية زواج القاصرات في اليمن، المصنفة كواحدة من اهم القضايا والمشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع.


مباركة زواج الصغيرات

على مدى السنوات الماضية كان تزويج القاصرات من بين ابرز القضايا التي تصدرت انشطة العديد من المنظمات والجمعيات العاملة في مجال حقوق الانسان في اليمن، التي عملت على الدفع باتجاه اقرار البرلمان - مجلس النواب - لقانون يحدد سن الزواج بــ 18عاما، الا ان ذلك لم يتحقق بسبب المعارضة الشديدة من قبل نواب جماعة الاخوان والنواب المنتمين الى تيارات سياسية اسلامية وقبلية محافظة، الذين تمكنوا من الدفع بالبرلمان في عام 2009 الى التصويت على اقرار مشروع قانون نص على تحديد سن الزواج بــ 17 عاما للنساء و18 عاما للرجال، لكن المصادقة على القانون لم تتم من قبل الرئيس اليمني - آنذاك - بسبب حملة الاعتراضات الواسعة التي نظمها ناشطون ومدافعون عن حقوق الانسان واحزاب يسارية وليبرالية ومنظمات حقوقية وانسانية.

 

لن تكون الأخيرة

روان - الطفلة ذات السنوات الثماني - لن تكون الأخيرة ممن يفقدن ارواحهن وبراءتهن وتسرق وتصادر طفولتهن! هي اسم لحالة واحدة من بين عشرات - وربما مئات الحالات والحكايات الموجعة حتى الموت - لفتيات يمنيات قدمن ضحايا من قبل الاهل والاسرة، لكائن خرافي واسطوري يدعى «الرجولة»، تشير الناشطة اليمنية هند النصيري الى ذلك قائلة: «يوم الخميس 5 سبتمبر 2013 لفظت الطفلة روان انفاسها، وغادرت دنيانا الى جوار الرب قبل ان تتلمس الطريق الى ملاعب الصبا، وقبل ان تتنفس حدائق المرح والتفتح».

وأد همجي للحياة

لقد تم الإجهاز عليها بزيجة ظالمة، غاشمة قبل ان تناهز التاسعة من عمرها برجل تخطى الاربعين، وقبل الخميس 5 سبتمبر سفكت وسحقت نجود وريم واسيا واشجان وفوزية، وعلى مر الايام والاعوام انقصف الكثير من الاعمار، وقُطف الورد قبل ان يزهر، وفقدنا مئات - بل وآلاف - الأزهار من الصغيرات وهن في مستهل طفولتهن، بالاغتصاب المتوحش للدهشة والبراءة والوأد البدائي، البدوي، الهمجي للحياة!


«إنقاذ وردة»

العاشرة من صباح الــ 7 من سبتمبر عام 2013، وبعد مضي يومين على مقتل روان ذات الاعوام الثمانية - آخر ضحايا جرائم زواج القاصرات - كان عشرات النشطاء من الشباب والفتيات يدشنون حملة «إنقاذ وردة»، التي تبنتها ودعت اليها الناشطة الشبابية هند النصيري. سألت القبس هند - وهي ابنة الكاتبة الاديبة اليمنية اروى عبده عثمان -: من وردة؟ ولماذا تبنيت حملة لانقاذها؟ فردت قائلة: ان وردة هي رمز لكل فتيات اليمن اللاتي مورس عليهن عنف الموروث والعادات والتقاليد!


وقد اختير هذا الرمز - «وردة» - للدلالة على الطفلة التي تقطف قبل اوانها بالزواج، وكذلك لانتشار هذا الاسم في اوساط نساء اليمن، وقد جاءت حملة «انقاذ وردة» للدفاع عن الحق في حياة تتسرب من ايدينا، وتخطف منا وأمام أعيننا. وتوضح هند لــ القبس ان الهدف من الحملة هو تسليط الضوء حول قضية زواج القاصرات وزيادة نسبة الوعي بأضرار الزواج المبكر للفتيات والمجتمع، والكشف عن الوقائع التي تعيشها الفتيات القاصرات في اليمن، الى جانب توسيع اشكال وانشطة ممارسة الضغط على الجهات المختصة، بإصدار قانون فعلي يمنع الزواج تحت سن 18 سنة. وتقول هند النصيري - خلال تدشين الحملة التي اقيمت تحت شعار «معا ضد موروث زوج بنتك بالثمان وعليا الضمان» - ان هناك مصادرةً للحق في الحياة وسكوتاً مقيتاً وقاتلاً إزاء هذه المصادرة المدمرة!


ثماني ضحايا.. يومياً!

هذا العام، وتحت شعار «الحد من زواج الصغيرات» خصصت الحكومة اليمنية الاحتفال باليوم العالمي للسكان، ليكون مناسبة لبدء حربها على زواج الصغيرات، وذلك بهدف ايضاح مخاطر الحمل المبكر للصغيرات ومخاطر الزواج المبكر، وتعزيز الوعي بهذه المشكلة في أوساط فئات المجتمع اليمني، حيث تعد ظاهرة زواج القاصرات المنتشرة في بعض البلدان العربية، وفي مقدمتها اليمن، خطراً على صحة وحياة الأطفال وسببا في حرمانهم من حق التعليم!

تقارير صادرة عن الحكومة اليمنية كشفت عن تسجيل وقوع 8 حالات وفاة يوميا في اليمن، بسبب زواج الصغيرات والحمل المبكر والولادة، في ظل غياب المتطلبات الصحية اللازمة.

كما ان تقريراً أصدره المركز الدولي لدراسات العام الماضي، اوضح ان اليمن احتلت المرتبة الــ 13 من بين 20 دولة، صُنفت على أنها الأسوأ في زواج القاصرات، حيث تصل نسبة الفتيات اللاتي يتزوجن دون سن الثامنة عشرة إلى 48 في المائة.
دون «الــ 15» زوجة «ستيني»!

وأوضح تقرير صدر حديثا عن مركز دراسات وأبحاث النوع الاجتماعي بجامعة صنعاء أن نحو %52 من الفتيات اليمنيات تزوجن دون سن الخامسة عشرة خلال العامين الأخيرين، مقابل %7 من الذكور. وتصل نسبة حالات زواج الطفلات إلى %65 من حالات الزواج، منها %70 في المناطق الريفية. وفي حالات لا يتجاوز عمر الطفلة المتزوجة ثماني أو عشر سنوات! وكشف التقرير عن فجوة عُمرية كبيرة بين الزوجين، تصل في بعض الأحيان إلى حالات يكبر فيها الزوج زوجته بــ 56 سنة!

اليمن المنكوب

من جانبها، تشير الاديبة الروائية اليمنية د. نادية الكوكباني الاستاذة في كلية الهندسة جامعة صنعاء عضوة مؤتمر الحوار الوطني الى خشيتها من ان يأتي اليوم الذي يُعلن فيه اليمن بلدا منكوبا بزواج القاصرات!

وتقول لــ القبس: سبق ان حذرت في وقت مبكر من اتساع اشكال انتهاك حقوق المرأة في اليمن، وتناولت ذلك في روايتي الاخيرة، وفي اعمال ادبية عدة، حالات اجبار الفتيات الصغيرات على الزواج لا يتم رصدها بدقة، وهذه الظاهرة منتشرة بنسبة كبيرة في المناطق الريفية والقبلية، حيث ان نسبة %60 من حالات زواج القاصرات تتم في هذه المناطق، وليس في المدن!


لا بد من قانون ملزم

وتضيف د. نادية قائلة: في عام 1996 كان تسجيل حالات انتهاك المرأة في اليمن يتم بشكل لا يذكر، وكانت حالات الانتهاك تلك فريدة، اما اليوم فان ما تتعرض له النساء والفتيات من حالات انتهاك، اصبحت تمثل ظاهرة خطيرة وانتهاكات جماعية، ترتكب من قبل الأسر والمجتمعات المحيطة بالنساء والفتيات، ومنها ما يتعلق بمسألة القبول بزواج الفتيات القاصرات!

لذلك، لا بد من سن قانون ملزم يحرم تزويج الفتيات تحت سن الــ 18 سنة، ويضع عقوبات مشددة على المتواطئين في عمليات الزواج هذه - الاب او الاخ او الشخص الذي تقع في يده ولاية تزويج الفتاة القاصر - وكذا الزوج الذي تزوج من الفتاة القاصر، وكذا الامين الشرعي - المأذون - او من قام بإبرام عقد الزواج!

داخل مؤتمر الحوار

قضية زواج الصغيرات كانت محورا اساسيا في النقاش والبحث من قبل اعضاء مؤتمر الحوار الوطني، الذي ناقشوا هذه المسألة ضمن فريق الحقوق والحريات، لكن تجريم او وضع ضوابط بنصوص قانونية تعاقب من يقومون بارتكاب هذه الجريمة كان محل تحفظ، بل واعتراض من قبل المكونات السياسية الدينية والقبلية المحافظة.


تحديد سن الزواج

المحامية وفاء عبدالفتاح إسماعيل نائبة رئيس فريق الحقوق والحريات في مؤتمر - من جانبها - ذكرت أن ممثلي التجمع اليمني للاصلاح («الاخوان المسلمين») وحزب الرشاد (السلفي) مع بعض أعضاء المؤتمر الشعبي وحلفائه امتنعوا عن التصويت بشأن تحديد سن الزواج بــ 18 سنة. وتساءلت عبدالفتاح - ابنة الرئيس اليمني الاسبق عبدالفتاح اسماعيل - قائلة: «إلى متى ستظل القوى الظلامية عائقاً يقف أمام حق المرأة في الحياة واحترام أدميتها؟!».

مسألة اجتهادية

هذه المواقف والتباينات الحادة حول قضية تحديد سن زواج الفتيات الصغيرات ليست وليدة اليوم، بل يمكن القول انها حالة واحدة تعبر عن حالات الانقسام، التي يعاني منها المجتمع اليمني تجاه العديد من القضايا والاهتمامات ذات الطابع الوطني السياسي والاجتماعي!
وعلى الرغم من ذلك، فان ممثلي التجمع اليمني للإصلاح - «الاخوان المسلمين» - في مؤتمر الحوار الوطني اعتبروا أن زواج الصغيرات هو في حقيقته مسألة اجتهادية في قضية فرعية، ومكانها الطبيعي مادة في قانون الأحوال الشخصية مكانها البرلمان لا الحوار.
نكاح صغيرات وليس زواجاً

حادثة مقتل - وفاة روان كانت ايضا محط اهتمام مختلف الاصعدة السياسية والاجتماعية والشبابية اليمنية، حيث جرى تناول هذه القضية في سياقات متعددة، من ابرزها ما دعت اليه الناشطة الحقوقية والشخصية النسائية اليمنية المعروفة أمل الباشا، وهي من اوائل الناشطات اللواتي حذرن من مخاطر زواج الصغيرات، وتبنت عبر ملتقى الشقائق لحقوق الانسان الذي تترأسة قضية الدفع باتجاه اصدار تشريع يحدد سن الزواج، حيث دعت ممثلي الأحزاب الإسلامية في مؤتمر الحوار الوطني، إلى التراجع عن مواقفهم الرافضة لتجريم زواج الصغيرات.

لكن التيار الديني والقبلي كان رده عنيفا ومباشرا على هذه الموقف من قبل الباشا، حيث اتهمها بالمتاجرة بالقضية من اجل مكاسب مادية وسياسية!
داعية إسلامي: لسن سلعة للبيع!

النهاية المأساوية للطفلة روان دفعت بالداعية الاسلامي اليمني المعروف الحبيب علي الجفري الى دعوة الحكومة اليمنية وجميع حكومات الدول العربية والإسلامية، التي لم تتضمن قوانينها منعا لجرائم انتهاك براءة الأطفال، قاصدا بذلك زواج القاصرات، حيث شبه الحبيب الجفري زواج القاصرات بأنه يحول الفتيات «إلى سلع للبيع، في سوق النخاسة المغلفة بالزواج»، داعيا إلى «المسارعة نحو تجريم هذه الفعلة الشنيعة والجدية في محاربتها عبر السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية».

وقال الجفري ما لا يقل أهمية عن «ذلك هو العمل على سد حاجة هذه الأسر بتوفير فرص العمل والدخل الضروري، فلا يحملهم العوز على التفريط في بناتهم».
القانون لا يعاقب المسؤولين عن زواج القاصرات

تشير المحامية منى السقاف في حديثها القبس الى ان القانون اليمني لا ينص على إنزال عقوبات ضد المسؤولين عن زواج الصغيرات، سواء كان الاب او الزوج، كما لا يوجد أي نص قانوني في قانون الأحوال الشخصية أو قانون حقوق الطفل أو العقوبات يتم من خلاله معاقبة الأب أو الولي الشرعي في حالة عدم وجود الأب أو القاضي (الأمين) الشخص الذي يوثق عقد الزواج، وكذلك الزوج!

وتوضح ان القوانين التي كانت سارية في شطري اليمن - قبل تحقيق الوحدة في عام 1990 كانت متباينة في ما يتصل بتحديد سن الزوج، حيث كانت في الجمهورية العربية اليمنية - تنص على انه «لا يصح تزويج الصغير من دون بلوغه خمس عشرة سنة، ولو قبل وليه ذلك، وعقد ولي الصغير لها صحيح، شريطة موافقتها عند الزفاف، ولا تجوز الخلوة بها، ولا زفافها، ولا الدخول بها إلا إذا بلغت سنا لا تقل عن ست عشرة سنة، على أن تكون صالحة للوطء». في حين ان قانون الأسرة لعام 1974 جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية يشترط في انعقاد زواج أن يتم الرجل 18 سنة والمرأة 16 سنة، ولا يجوز إجراء عقد الزواج فيه تفاوت في السن، يتجاوز عشرين عاما إلا إذا كانت المرأة قد بلغت الخامسة والثلاثين.

*القبس