دفعت الحرب الدائرة في اليمن العديد من الأمهات اليمنيات إلى كسر الحواجز المجتمعية من أجل تأمين لقمة العيش لأطفالهن. ويعاني المجتمع اليمني من آثار حرب طالت رحاها وتمثلت في انتشار الأمراض وسوء التغذية، لا سيما بين الأطفال.
عند الرصيف المقابل لبوابة المستشفى الجمهوري في قلب العاصمة اليمنية صنعاء، تقضي "أم نصر"، أغلب ساعات النهار، لتوفير ما يكفي من ثمن الوجبات الأساسية الكافية لبقاء أطفالها على قيد الحياة، في البلد الذي تتحدث إحصاءات اليونيسف عنه "بأن ما يقدر 1.8 مليون طفل، مصابون بسوء التغذية الحاد، منهم 400 ألف مٌصاب بـ"سوء التغذية الحاد الوخيم".
تتكئ أم نصر، في العقد الرابع من عمرها، وبين يديها وعاء ممتلئ بـ"البيض" (البلدي)، وقد رصّت الى جواره كميّات قليلة من البهارات، مثل ملح الطعام، وبعض التوابل المحلية، موضوعة داخل أكياس حرارية صغيرة الحجم، يُباع الواحد منها بـ100 ريال ومثل ذلك البيضة الواحدة أي (أقل من ربع دولار أمريكي).
وتقول أم نصر لـ DW عربية أنها اضطرت لفعل ذلك منذ ثلاثة أشهر، حين أصيب زوجها في حادث عرضي، اقعده المنزل، لتضطر هي للخروج بشكل يومي، منذ الصباح الباكر وحتى الثانية ظهراً، لتعود بما يوفر الحد الأساسي من الوجبات الغذائية للبقاء على قيد الحياة لكنها ليست كافية لتأمين احتياجاتهم الغذائية.
وتوافق أم نصر، بصعوبة، على التقاط صورة لها دون كشف ملامح وجهها، كما ترفض الادلاء بهويتها كاملة، وتؤكد انها ستعمل في بيع البيض والبهارات لحين شفاء زوجها فقط، وقبل تصاعد الحرب في البلاد، كان زوجها يعمل في مصنع تعرض للقصف، وتوقف عمله ولم يعد يتسلم أي حقوق مالية، فيما بات أطفاله الستة يعتمدون على كفاح والدتهم، التي تعود يومياً، بمتوسط قدره 1000 إلى 1500 ريال يمني (دولارين إلى ثلاثة دولارات أميركية)، لشراء الوجبات الأساسية.
"كل شيء توقف"
وفي صنعاء أيضاً، تستند، فاطمة عبدالله 45 عاماً، إلى احد أعمدة أحد الجسور، وقد رصّت أمامها كميّات من أوراق نبات الرّيحان وهو نبات عطري يستخدم للنساء عند الولادة في اليمن، وكذلك يوضع على السيارات وصالات الافراح، في الأعراس، وتقول فاطمة لـDW إنها تبيعه منذ نحو عام ونصف، حينما قُطع مرتّب زوجها الذي كان يعمل في السلك العسكري، وتضيف "كل يوم أبيع بنحو 1500 ريال لتوفير قيمة غذاء لأطفالي".
وتسرد فاطمة أن أطفالها البالغ عددهم أربعة أطفال، و التي ترفض القبول بالتقاط الصور لهم، يعانون من سوء التغذية "منذ تفاقمت الاوضاع المعيشية في البلد"، وأن زوجها يذهب للبحث عن عمل بالأجر اليومي ولا يجد، وتوضح "لا يوجد عمل بسبب الحرب، كل شيء توقف"، ملقية اللوم على الأزمة الاقتصادية وتوقف عجلة التنمية في البلاد.
أم نصر وفاطمة، هما جزء من أمهات كثر، اضطررن لكسر حاجز الخروج إلى الرصيف للبحث عما يسد جوع أطفالهن، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، بيد أن عددا كبيرا من أمهات يمنيات أخريات غير قادرات على الخروج إلى الأرصفة أو حتى الحصول على أجواء عمل مناسبة وذلك إما لظروف ذاتية أو لأمور متعلقة بمناطق سكنهن. كما تعتمد العديد من الأسر على مساعدات "الجيران" وبعضها قد يضطر اطفالها للتسول أو لترك المدارس أو العمل في ظروف قاسية.
أسوأ أماكن العالم للطفل
تتفاوت نسبة التأثر بـ"سوء التغذية" من محافظة لأخرى، وفقاً لظروف الغالبية من سكانها أو الأوضاع الأمنية والسياسية ودرجة التضرر من الحرب، إذ ترتفع نسبة المصابين في المناطق الشمالية الغربية، وأبرزها محافظة الحديدة بالإضافة إلى محافظات، حجة، وصعدة، وتعز ولحج، كأكثر المحافظات تأثراً وفقاً لتقرير أممي سابق، فيما المعاناة تنتشر في أغلب المحافظات.
ويقول تقرير حديث لمنظمة اليونيسف، صدر في يناير/ كانون الثاني الماضي، إن اليمن "هي واحدة من أسوأ الأماكن في العالم بالنسبة لأي طفل"، وأشار إلى ولادة ما يقارب ثلاثة ملايين طفل خلال اقل من ثلاث سنوات على تصاعد الحرب في البلاد، فيما هناك 80 بالمائة من الأسر مثقلة بالديون، في حين أن 60 بالمائة منها، خفضت كمية الطعام الذي تتناوله أو لجأت إلى أطعمة أقل جودة.
ويلفت التقرير نفسه إلى وجود 11.3 مليون طفال بحاجة إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة، كما أن نصف الأطفال في اليمن يعانون من مرض التقزم، ويعاني 1.8 مليون طفل دون سن الخامسة من "سوء التغذية الحاد"، بينهم 400 ألف طفل تقريباً، يعانون من "سوء التغذية الحاد الوخيم وهي حالة مهددة للحياة"، وتشير المنظمة إلى أن احتمال وفاة الأطفال، المصابين بسوء التغذية المعتدل، تزيد أربع مرات، عن غيرهم من الأطفال الأصحاء، فيما المصابون بـ"سوء التغذية الحاد"، عرضة للوفاة 11 مرة، أكثر، إذا لم يُعالجوا في الوقت المحدد.
الهزال وضعف المناعة
وتتحدث نضال العريقي، طبيبة أطفال لـ DWعربية، عن آثار سوء التغذية على الأطفال، وتقول إنه "من الناحية الجسمية يؤدي سوء التغذية إلى نقص كبير في الفيتامينات والمعادن التي بدورها تؤدي الي نقص المناعة، وهذا يؤدي إلى ضعف المناعة، وتكرار تعرض الطفل للمرض، ويكون مسببا أيضا للعصبية الزائدة للأطفال". وتتابع " أيضا يؤدي سوء التغذية إلى عواقب صحية أخرى مثل نقص الوزن، الهزال، التقزم، وفي حالات متطورة إلى الوفاة".
وفي ظل الحرب الدائرة في اليمن، ما يزال الأطفال هم الطرف الأضعف الذين تقع عليهم عواقب الأوضاع المأساوية، وتتكرر محاولات العائلة وخاصة الأمهات من أجل تأمين لقمة العيش لأطفالهن، من دون معرفة إن كانت هذه المعاناة ستستمر لفترة طولة أم أن الأمل القريب يلوح في الأفق.