يتعقد الوضع السياسي والإنساني في اليمن أكثر مع طول أمد الحرب الدامية هناك. معاناة الناس تتضاعف بسبب ضعف التغطية الإعلامية لما يكابدونه في حرب يعتبرونها منسية. هذا التقرير جاء بشهادات صادمة من داخل اليمن حول الحياة هناك.
تدخل الحرب في اليمن عامها الثالث، والمؤشرات عن تراجع القتال بين السعودية والحوثيين قليلة جداً. في الشهر الماضي دخل البلد المنكوب مرحلة غموض أكبر بعد مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح على يد الحوثيين. صالح، الحليف السابق للحوثيين الذي غير ولاءاته لحساب السعودية، كان شخصية مهمة في الحرب وبات ينُظر إلى مقتله بتلك الطريقة على أنه تعزيز أكبر لنفوذ الحوثيين، على الأقل على المدى القصير.
وبعيداً عن الوضع السياسي، نشرت منظمات إنسانية إحصائيات مقلقة تتعلق بـ 28 مليون شخص. ثلث السكان على حافة المجاعة، و10 آلاف مدني قُتلوا أو أُصيبوا حتى الآن منذ مارس/ آذار من عام 2015 بمن فيهم خمسة آلاف طفل، بينما يعاني 400 ألف شخص من سوء التغذية الحاد. وحسب منظمة الصحة العالمية فإن حوالي مليون شخص حتى الآن أصيبوا بوباء الكوليرا.
حرب يصعب تغطيتها
حرب اليمن لم تكن حدثاً يسهل تغطيته بالنسبة للإعلام الدولي، فصعوبة دخول صحفيين أجانب إلى البلاد والرقابة الصارمة المفروضة على الصحفيين المحللين أثرت على حجم الأخبار والقصص القادمة من اليمن باستثناء الأرقام والإحصائيات. DW اتصلت بأشخاص من داخل البلد لمعرفة المزيد عن الحياة في اليمن حالياً.
أحمد (اسم مستعار) متزوج وأب يعمل باحثاً مستقلاً في العاصمة صنعاء، يقول "نحاول تجاهل هذه الحرب. أقول لنفسي كل يوم بأن هذه الحرب لم تؤثر فيَّ، وإنها لم تهزمني. أفعل هذا لأكون قادراً على الاستمرار لأن هذا ما عليَّ فعله. ولكن في الواقع وفي أعماقنا نحن محاطون بالكثير من المخاوف. نحن خائفون من غارات غبية تستهدف مدنيين أكثر مما تستهدف أهدافاً عسكرية. نحن خائفون من أن تعتقلنا الميليشيات دون سبب. نحن خائفون من فقدان وظائفنا أو عدم الحصول على وظائف. خائفون من الأمراض والأوبئة ومن عدم تلقي العلاج... والقائمة تطول".
أما محمد القدحي، وهو صحفي حرب يعمل من مدينة تعز لصالح وسيلة إعلام أجنبية، فيقول: "الوضع الإنساني سيء. الحياة صعبة بالنسبة لمعظم الناس والفقر يجبر الكثيرين على التحول إلى مقاتلين. مرت سنة ونصف دون دفع رواتب موظفي الدولة وحتى الجنود. واضطر الكثير من اليمنيين للبحث عن مصادر دخل أخرى ليبقوا على قيد الحياة كما ارتفع بشكل كبير عدد المتسولين في الشوارع. وكلما حاول الناس التعود على الوضع الراهن، تفاقم الصراع أكثر وأعادهم إلى نقطة الصفر".
مدنيون يمرون عبر أنفاق لدخول منازلهم
"كانت هذه المدينة معتمدة على المشاريع الصغيرة، كانت مدينة تجارية وكثافتها السكانية عالية. فالكثير من الناس يعيشون فيها وحولها. أما اليوم فقد أصبحت تعز مدينة مختلفة. الوضع الإنساني مأساوي بشكل أكثر وضوحاً مما عليه الحال في مناطق أخرى كثيرة من اليمن بسبب حجم القتال والقصف الذي عرفته وتعرفه هذه المنطقة".
"خلال تغطيتي للحرب مررت بقصص بائسة وكنت أبكي من شدة المعاناة والبؤس الذي يعيشه الناس. الحياة داخل البيوت مقيدة جداً. قابلت نساء مضطرات للبقاء داخل منازلهن في مناطق تبادل إطلاق النار وأشخاصاً يتعين عليهم المرور عبر أنفاق تحت الأرض للدخول والخروج من بيوتهم بسبب وجود قناصة من الحوثيين".
موت صالح يعني أن الوضع تعقد أكثر ولن يكون هناك اتفاق سلام. ولكن طالما أن الإعلام الغربي غير قادر على تغطية ما يحدث هنا، أصبحت الحرب في اليمن حرباً منسية.
هبة (اسم مستعار) تبلغ من العمر 35 عاماً وترأس إحدى جمعيات المجتمع المدني في صنعاء، تقول "أنا واحدة من المحظوظين القلائل الذين مازالوا يتوصلون براتبهم ويستطيعون اقتناء ما يحتاجونه لكن الوضع بشكل عام رهيب. الناس لا يستطيعون شراء ما يلبي احتياجاتهم الأساسية".
"اجعلوا أصواتنا مسموعة"
الحياة في اليمن تصبح باهظة أكثر فأكثر بسبب الحصار الذي يؤدي إلى نقص كبير في الإمدادات. في الواقع، الحصار هو أحد أكثر الأمور تأثيراً على الحياة اليومية للفقراء وعلى حياة أولئك الذين يعيشون في وضع اقتصادي جيد فهو يؤثر على تصدير واستيراد المواد الغذائية والملابس وحتى الدواء".
"نحن اليمنيون نشعر بأن المجتمع الدولي يتجاهلنا ونشعر وكأننا نعيش في كوكب آخر. هناك مبادئ أساسية للحرب تحمي المدنيين لكنها لا تُحترم هنا. اليمنيون يُهاجمون ويُقتلون ويُحرمون من الغذاء والعلاج. الأمراض تنتشر والأطفال أكبر المتأثرين. الكثير من الناس فقدوا منازلهم لأنه تعين عليهم الهرب من مناطق النزاع والانتقال إلى مناطق أخرى أكثر أماناً، أو لأن منازلهم دُمرت بسبب القصف".
"اجعلوا أصواتنا مسموعة. اجعلوا ضحايانا مرئيين، ساعدوا أطفالنا للعيش في سلام والاستمتاع بالحياة كما يفعل الآخرون في أنحاء العالم".